يوسف كامل ابن الدفعة الأولى «فنون جميلة».. الرسم مسموعًا والشعر مرسومًا

يوسف كامل ابن الدفعة الأولى «فنون جميلة».. الرسم مسموعًا والشعر مرسومًا


فى القاهرة وفى السادس والعشرين من مايو 1891 ولد يوسف كامل وفى الثانى عشر من ديسمبر 1971 رحل عن عالمنا أى منذ نصف قرن بالتمام والكمال. التحق يوسف كامل بالتعليم حين كان تعليمًا حقًّا؛ فالتحق أولًا بمدرسة باب الشعرية الابتدائية ثم مدرسة الفنون والصناعات الخديوية ثم التحق بمدرسة الفنون الجميلة فى عام 1908 فى أول تأسيسها على يد الأمير يوسف كمال، وتخرج فيها عام 1911.

وإثر تخرجه شغل العديد من الوظائف والمواقع الفنية؛ فعمل بالتدريس فى القسم الثانوى فى المدرسة الإعدادية الثانوية بحى الظاهر 1912 ثم عمل أستاذًا لفن التصوير بمدرسة الفنون الجميلة العليا عام 1929 ثم عُيِّن رئيسًا لقسم التصوير بمدرسة الفنون الجميلة العليا عام 1937 ثم عُيِّن مديرًا لمتحف الفن الحديث عامى 1948 – 1949 إلى أن جاء عميدًا للكلية الملكية للفنون الجميلة عام 1950 وأحيل إلى التقاعد بعد ثلاث سنوات، وكان يوسف كامل عضوًا بالمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة حاليًا) ومقررًا للجنة الفنون التشكيلية.

لوحات الفنان يوسف كامل

وجعل يوسف كامل مرسمه فى المطرية ليكون قريبًا من عزبة النخل والمرج التى كانت زاخرة بالمناظر الطبيعية الخلابة، وكان قد أمضى خمس سنوات فى إيطاليا لدراسة فن التصوير، وكان قد سافر فى عام 1921 إلى روما للدراسة بالتبادل مع زميله راغب عياد على نفقتهما، ثم أوفدته الحكومة المصرية فى عام 1925 فى بعثة إلى إيطاليا لاستكمال دراسته، وقد أقام الكثير من المعارض الجماعية المحلية غير المعارض الجماعية الدولية بالخارج، ومن إسهاماته التعليمية والفنية أنه ساهم فى إنشاء المدرسة الإعدادية (الابتدائية والثانوية) بحى الظاهر، وشارك فى زخرفة ورسم مقر وزارة الحربية الإيطالية، ومن الجوائز المحلية التى حصل عليها جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1960 وكذا العديد من الجوائز الدولية فى المسابقات بإيطاليا.

لوحات الفنان يوسف كامل

ولهذا الفنان الرائد مجموعات خاصة وعامة بمصر والخارج ومقتنيات رسمية منها ما هو فى متحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية والمتحف الزراعى بالدقى ومتحف الفن الحديث بروما، وله أكثر من ألفى لوحة زيتية، بالإضافة إلى الإسكتشات السريعة الزيتية والصغيرة المساحة، وكانت قد أنشئت جائزة باسم يوسف كامل لأوائل كلية الفنون الجميلة عام 1995 حيث تبرعت ابنته بمبلغ عشرة آلاف جنيه يخصص عائدها سنويًّا لأوائل الخريجين من قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، ومما يذكر حين جاء عميدًا للفنون الجميلة أنه كان أول عميد يسمح بدخول الفتيات إلى الكلية الملكية للفنون الجميلة فى جميع الأقسام الفنية من نحت وتصوير وزخرفة وحفر.

لقد افتتحت مدرسة الفنون الجميلة فى 12 مايو 1908 وتقدم مائة وسبعون طالبًا لامتحان القبول للدراسة فيها وكان أولهم باعث فن الفراعنة النحات محمود مختار، وقد ضمت المدرسة فى بداية تأسيسها أربعة أقسام لكل منها أستاذ فكان فورشيلا أستاذًا للتصوير وكولون للزخرفة وبيرون للعمارة، أما جيوم لابلان فكان عميدًا لها أى ناظرًا للمدرسة وأستاذًا للنحت فى ذات الوقت، وقد بلغ عدد الطلاب المنتسبين إليها فى الدراسة الصباحية والمسائية 400 طالب، وفى هذه المدرسة التقى العباقرة والمبدعون الأربعة الكبار والأوائل وهم محمود مختار ومحمد حسن وراغب عياد ويوسف كامل.

لوحات الفنان يوسف كامل

ومما قاله أحدهم وهو راغب عياد وهو يستدعى ذكرياته عن تلك المرحلة: «كنا معا إخوة وأصدقاء نتقاسم رغيف الخبز ونتبارى فى المعرفة، والتفوق بيننا كان سجالًا» وكان المعين الأساسى لهؤلاء الأربعة وهمهم المشترك هو الشعب المصرى بروحه وأصالته وارتبطت حياتهم برباط مقدس وفريد ومثلت العلاقة بين اثنين منهم ما يمكن وصفه بوحدة الدم المصرى وهما يوسف كامل وراغب عياد اللذان مثلا معنى الوحدة الوطنية ورمزها الخالد، فبعد تخرجهما سنة 1913 اتخذ راغب عياد مرسمًا له فى درب اللبانة بالقلعة وهو ما عرف بعد ذلك ببيت الفنانين، وقد دعا صديقه يوسف كامل ليتردد عليه لرسم المناظر الطبيعية للبيوت والحوارى الضيقة هناك، وقد لحق به يوسف كامل الذى أعجبه المكان فكانا متلازمين.

عمل يوسف كامل بعد تخرجه مدرسًا فى المدرسة الإعدادية بينما اشتغل راغب عياد مدرسًا فى مدرسة الأقباط، وذات لقاء اقترح راغب عياد على يوسف أن يسافر إلى إيطاليا لتنمية دراسته الفنية وكان راغب عياد قد زارها من قبل على نفقته، واختمرت الفكرة لديهما فاقترح راغب عياد على صديقه أن يسافر وأن يقوم هو بالتدريس بدلًا منه كى يرسل له راتبه ليدرس به فى إيطاليا ويتناوبا السفر، وبالفعل فقد توجها معًا إلى ناظرى مدرسة الأقباط والمدرسة الإعدادية اللذين وافقا على ذلك بل شجعاهما على ذلك، وبالفعل فقد كان باب البعثات موصدًا ولم يحظ بها سوى زميلهما محمود مختار الذى اتخذ من باريس وطنه الثانى. وفى عام 1922 سافر يوسف كامل إلى إيطاليا مبعوثًا من راغب عياد صديقه وعند انتهاء فترة دراسة يوسف كامل سافر راغب عياد فى الإجازة الصيفية وتقابلا هناك وقضيا الإجازة هناك.

لوحات الفنان يوسف كامل

وكان الصديقان التوءمان قد التقيا أثناء مرورهما على «إكس ليبان» بسكرتير سعد زغلول وكان مدرسًا بالمدرسة الإعدادية مع يوسف كامل، فطلب منهما أن يقابلا سعد زغلول حيث كان يستشفى هناك بعد خروجه من منفاه فى سيشل، وبالفعل قابلا سعد زغلول الذى فرح بهما والتفت إلى يوسف كامل وقال له بأبوة المصريين «روح سدد الدين لزميلك»، وعاد يوسف كامل إلى مصر وتولى عمله بالمدرستين وقام بإرسال النقود إلى صديق عمره فى إيطاليا حت أتم دراسته.

وانتشرت قصة الصديقين الشابين المبدعين وأعجب كل من سمعها من الشعب، فلما اجتمع البرلمان المصرى لأول مرة عام 1942 وقف ويصا واصف باشا وروى قصة كفاحهما معًا ودعا البرلمان إلى تشجيع الفنون وفتح اعتماد سنوى لسفر الموهوبين من ميزانية وزارة المعارف؛ فوافق المجلس بالإجماع واعتمد مبلغ اثنى عشر ألف جنيه لإرسال بعثات للخارج، وتقديرًا لهما كرمز قوى للوحدة الوطنية أرسلا معًا فى بعثة لدراسة فن التصوير فى إيطاليا ومعهما زميلهما الثالث محمد حسن إلى إنجلترا، وأثارت هذه القصة الرائعة عاصفة من التصفيق داخل البرلمان كما تسابق رجال البرلمان فى أخذ الكلمة بفيض من المشاعر الفياضة.

إلى أن عاد الصديقان بعد خمس سنوات بعد هذه البعثة التاريخية وشغل يوسف كامل وظيفة مساعد مدرس بالفنون الجميلة العليا وكان أول مصرى يعين بها سنة 1929 وترقى حتى صار رئيسًا لقسم التصوير سنة 1937، وفى عام 1949 عُيِّن مديرا لمتحف الفن الحديث، وفى يناير سنة 1950 عُيِّن عميدا لكلية الفنون الجميلة الملكية حتى نهاية عام 1953 حيث أحيل إلى التقاعد.

كان يوسف كامل محبوبًا من زملائه وأساتذته لأنه كان دائم الاستغراق فى الرسم فى هدوء تام يتعلم ولا يتكلم كثيرا.

وهناك حوار نادر أجرى مع الفنان يوسف كامل فى عام 1960 قال فيه: «كنت أرسم ذات مرة فى درب اللبانة بالقلعة، حيث كانت تكية أرسمها وقاعد أرسمها وأرسم الحارة ومشربياتها لقيت واحد فرنساوى جاى يسألنى: هل فيه رسامين مصريين؟ قلت له: كثير. قال أول مرة أسمع عن كده، وبعدين سألنى: هل هدى شعراوى تعرف عنك شيئا؟ قلت له: لا. قال: دى بتحب الفنانين، وفى اليوم التالى لمقابلة الرسام الفرنسى جاءت هدى شعراوى بالعربية الحنطور وسألتنى قائلة: إنت بتعمل إيه؟ قلت لها: بأرسم لوحات لبيتنا. قالت: ولو عجبنى حاجة! قلت: اتفضلى، ويومها أخذت بعض لوحاتى وحاولت أن تدفع الثمن ولكنى رفضت، وبعد يومين لقيتها أرسلت لى خطابًا ومعه شيك بمبلغ 60 جنيهًا، وفى الحال رجعت لها بالشيك وقلت لها هى الهدية بالفلوس. فقالت أبدا دى ثمن الخامات» وأضاف أن هدى شعراوى هى التى قالت لى اسكن فى المطرية كان هذا فى عام 1913.

لقد ربط يوسف كامل بين الرسم والإيقاع الموسيقى كما عقد مقارنة بين الرسم والشعر لكون الشعر جزءا من مكونات الثقافة المحلية فيقول «إن الرسم ضرب من الشعر الذى يُرى ولا يُسمع، والشعر ضرب من الرسم الذى يُسمع ولا يُرى».

وقد أحب طبيعة البسطاء فى الريف وارتبط بحياة الفلاحين فهو من مواليد حى الطشطوشى بباب الشعرية وعندما استقر به الأمر فى ضاحية المطرية بعيدًا عن ضوضاء القاهرة كان يدعو زملاءه هناك الفريق عزيز المصرى والدكتور إبراهيم شوقى والمهندس كامل غالب- إلى مرسمه، كما ترددت على هذا المرسم الوطنية الكبيرة هدى شعراوى التى كانت كثيرا ما يحضر معها لفيف من الأجانب لتريهم نموذجا لفن مصرى ولقد اقتنت عددا كبيرا من أعماله الزيتية.

لم يتوقف يوسف عن الإنتاج طوال حياته ما عدا الفترة من عام 1958 حتى 1962 بسبب مرضه وضعف عينيه، وما لبث أن عاد إلى الرسم حتى رحل عن ثمانين عامًا وبعد ما يقرب من رسم ألفى لوحة زيتية، وكانت لوحته الأخيرة «باقة من الزهور».





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *