وهم التفوق – مصر اليوم
بقلم : قمر النابلسي
يتكلم في مختلف المجالات بثقة الخبير المطّلع , رغم ضحالة معلوماته وقلة خبرته وأحياناً سخافة توقعاته , ولكن يبدو واثقاً من نفسه , يعرف كيف ستنتهي الحرب في غزة وكم بقي من عمر الكيان بالضبط , يعلم كيف ومن أوجد فيروس كورونا ومن نَشره والأهداف القصيرة والبعيدة المدى لذلك والدول المتورطة, يعرف كيف ستُدار الانتخابات ومن سيتحكم بها ومن سيفوز وتوزيع المقاعد على الأحزاب , وهو على علم من سيكون رئيس الوزراء القادم وسبب اختياره وطبعاً معلوماته من مصادر موثوقة , على علاقة مع أشخاص بمناصب ومواقع مهمة وحساسة وله واسطة في كل مكان ,صديق لعدد كبير من أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة ودائماً معلوماته من راس النبع , يعرف سبب الوضع الاقتصادي السيء الذي تمر به البلاد وعنده الحلول السحرية ويستطيع وضع خطة خمسية وعشرية وطبعاً النتائج مضمونة , أما كيف ستنتهي الحرب الروسية الأكرانية وتبعاتها فعنده الخبر اليقين .
طبعاً أنا لا أتكلم عن شخص بعينه , نحن محاطون بعدد كبير من هذه الشخصيات التي تضع هالةً حول نفسها من لا شيء, اشخاص محدودي الذكاء يعتقدون أنهم يتمتعون بالفطنة والذكاء ,أشخاص تلقي بنكاتها السخيفة وتعتقد أنها تتمتع بروح الدعابة وخفة الظل , كنت استغرب جداً من الثقة واليقين الذي يتكلم به هؤلاء , وكيف يعتقدون فعلاً أنهم أكثر ذكاءً ومعرفةً وقدرةً مما هم عليه فعلاً , حتى اكتشفت أن هناك مصطلحاً يشرح بالضبط حالة هؤلاء ,يسمى تأثير دانينغ وكروجر-عالما النفس اللذان قاما بعمل الدراسة – أو ظاهرة التفوق الوهمي وهو : انحياز سلوكي يَظهر عندما يعتقد الفرد أنه أكثر ذكاءً وقدرةً مما هو عليه بالفعل (غير ماهر وغير مدرك لذلك ) وبالتالي تضخيم تقيمهم لذواتهم , والمبالغة في تقدير مهاراتهم بسبب عدم قدرتهم على المنافسة , وتحيز معرفي لوهم التفوق وهم فعلياً ذوو قدرات عادية أو منخفضة , فاشلون في تحديد نقاط ضعفهم ومعالجتها , انفصال كامل بين القدرات المتصورة والقدرات الفعلية للمرء.
واللافت أن الأبحاث أظهرت أن الأشخاص الأكفاء بالفعل يقللون من شأن قدراتهم ومؤهلاتهم رغم إنجازاتهم فهم يعرفون أن هناك مزيداً من المعارف لا يدركونها ويسعون إليها , يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل :(المشكلة مع العالم هي أن الأغبياء واثقون والأذكياء ممتلؤون بالشك) وكما قال أيضاً تشالز داروين :(إن الجهل في كثير من الأحيان يولد الثقة أكثر من المعرفة).
المشكلة الكبيرة هنا أن هذا التناقض يؤثر على التفاعل البشري في عدة أوجه ,من الحياة اليومية واتخاذ القرارات ,الى العلاقات الشخصية و التفاعل مع الآخرين , يؤجج النزاعات ويسهم في نشر معلومات مغلوطة أو زائفة , تحوير للخطاب العام على الصعيد المجتمعي ,كذلك تداعياته الكارثية على كل المجالات خاصة إذا كان هؤلاء الأشخاص في أماكن صنع القرار – لا يمتلكون الكفاءة ولا يعترفون بكفاءة الآخرين – حيث يجنح الذين يعانون من هذه الظاهرة إلى عزل انفسهم فلا يسمعون آراء ذوي الكفاءة والخبرة فيتخذون قرارات سيئة وهذا ما أدى إلى ما نشهده من تراجع في كثير من مؤسساتنا ووزاراتنا ,ونتائج كارثية على كثير من المشاريع التي أثبتت فشلها , السمكة تتعفن من الرأس .