مطالبات بإعادة صياغة القوانين للحفاظ على التراث في مصر
القاهرة – مصر اليوم
على مدار الأسبوعين الماضيين شهدت مصر حالة من الجدل بين الآثاريين والمدافعين عن التراث بسبب مشروعات إنشاء طرق وجسور ومحاور حرة، قالوا إنها تهدد مباني تاريخية وتراثية، ومع احتدام الجدل طالب بعض الآثاريين بإعادة صياغة القوانين المنظمة للتعامل مع التراث والآثار المصرية لحماية ما تبقى من تراث، فيما أكد آخرون أن المشكلة ليست في صياغة القانون بل في تفعيله واستشارة جهات الاختصاص.
بدأ الجدل عند الإعلان عن مشروع سياحي في حديقة الأندلس في حي الزمالك، يتضمن إقامة عجلة دوارة «تحت اسم» عين القاهرة، ليزداد الجدل مع الإعلان عن مشروع لإنشاء جسر يمر بجوار كنيسة البازيليك بوسط حي مصر الجديدة، وتزايدت حدة الانتقادات في أعقاب تصريح الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار المصري، الذي قال فيه إن «كنيسة البازيليك ليست أثرا»، وإنه «لو تم تسجيل كل مبنى عمره 100 عام فسيتم تسجيل نصف مباني مصر».
وأعربت الدكتورة مونيكا حنا، القائم بأعمال عميد كلية الآثار بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، عن استيائها من تصريح وزير السياحة والآثار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «التعامل مع التراث المصري بمنطق ما هو مسجل في عداد الآثار وما هو غير مسجل فكر عقيم، لا يتفق مع ما جاء في اتفاقية اليونيسكو لعام 1970 والتي تعتبر السياق التاريخي والاجتماعي جزءت لا يتجزأ من قيمة الأثر»، مطالبة بإعادة صياغة القوانين التي تنظم طريقة عمل الأجهزة المعنية بحماية التراث.
ويتفق معها الدكتور بسام الشماع، الباحث في علم المصريات، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه من «الظلم ربط تسجيل الآثار بقانون يحدد ذلك بعدة سنوات، فقيمة الآثار والحضارات نسبية، فالأثر والتراث ينطبقان على كل ما هو أمس، لذلك لا بد من إعادة تعديل القانون ليشمل جميع التراث المصري المنقول وغير المنقول»، معتبرا «كنيسة البازيليك نموذجا صارخا على عوار قانون الآثار فكيف لا يتم تسجيل الكنيسة التي أقيمت فيها أول صلاة عام 1913 في عداد الآثار»، في حين تم تسجيل قصر البارون الذي بني عام 1911.
بدورها ترى الدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وعضو مجلس إدارة التنسيق الحضاري، أن «المشكلة ليست في القانون، بل في عدم الإلمام بالقوانين، فهناك قوانين واضحة لحماية التراث، فقانون الآثار واضح، ويتعلق بكل ما ينتمي للحضارات الطائفية، أما الثروة العقارية ذات القيمة التاريخية والرمزية والعمرانية، مثل عقارات منطقة وسط البلد، والقصور والفيلات المتميزة فهي مبان تراثية ينظمها الباب الثاني من قانون البناء رقم 119 لسنة 2008، الخاص بالتنسيق الحضاري، والذي يقضي بتسجيل مناطق كاملة كمناطق تراثية مثل الزمالك ومصر الجديدة، ويضع شروطا وضوابط للتعامل معها، إضافة إلى قانون رقم 144 لعام 2006 لتسجيل المباني ذات القيمة التراثية».
وتنص المادة 1 من قانون الآثار رقم 117 لعام 1983 على أن «الأثر هو كل عقار أو منقول، من نتاج الحضارة المصرية أو الحضارات المتعاقبة مر عليه أكثر من 100 عام قبل صدور القانون في عام 1983»، بينما يقسم قانون التنسيق الحضاري المباني التراثية إلى ثلاث فئات ويضع شروطا لكيفية التعامل مع كل فئة، عند الترميم والصيانة أو إعادة الاستغلال.
وتقول حواس إنه «يجب عند التفكير في تنفيذ كوبري أو شارع أو أي مشروع في منطقة تراثية أو عند مبنى تراثي أن يتم مراجعة جهاز التنسيق الحضاري، لكن المشكلة أن الجهاز يتم تهميشه وتجاهله في معظم المشروعات»، مشيرة إلى «هدم مقابر المماليك التراثية لإنشاء كوبري رغم أنها مسجلة كتراث عالمي مما يهدد بخروج مصر من قائمة التراث العالمي لعدم محافظتها على تراثها»، وتؤكد حواس أن «المشكلة الأكبر تكمن في عدم اللجوء للمتخصصين في مثل هذه المشروعات».
وترى حنا أن «التراث المصري حائر بين وزارة الآثار والسياحة، وجهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، وجهاز شؤون البيئة للتراث الطبيعي، والتراث المعنوي في وزارة الثقافة، كما يقسم التراث الديني بين وزارة الأوقاف والكنيسة المصرية، وهذا هو السبب في حالة الخلل التي تتعلق بإدارة التراث والتي تتسبب في ضياع جزء كبير منه بالهدم والتدمير».
ويعود الجدل بشأن التراث وحمايته إلى سنوات عدة مضت، كان آخرها أثناء تنفيذ مشروع محور الفردوس عند طريق صلاح سالم بالقاهرة، والذي تم خلال تنفيذه هدم مقابر تاريخية بمنطقة صحراء المماليك، إضافة إلى الجدل المستمر والمتجدد عند هدم الفيلات والقصور القديمة في محافظة الإسكندرية الساحلية، وعادة ما يخرج المهتمون من هذا الجدل بمطالبات وتوصيات تتضمن إيجاد آلية للحفاظ على التراث أسوة بالدول الأخرى. وتضرب حنا نموذجا بطريقة إدارة إيطاليا للتراث وحفاظها عليه، عبر تحويل أول مصنع للكهرباء في إيطاليا يعود تاريخه لعام 1912 إلى متحف للتاريخ الصناعي تحت اسم متحف Centrale di Monte Martini، وتحويل منازل محولجي القطارات القديمة إلى مطاعم ومراكز ثقافية سياحية.
قد يهمك ايضا