محمد يمني .. أول ممثل للرياضة الجزائرية في دورة الألعاب الأولمبية
الجزائر – على غرار الدور البارز الذي لعبته الرياضة الوطنية في الترويج لعدالة الثورة التحريرية المجيدة إبان الفترة الاستعمارية، حرصت الجزائر المستقلة على مواصلة التواجد رياضيا في مختلف المحافل الدولية الكبرى من خلال المشاركة في دورة الألعاب الاولمبية بطوكيو سنتين فقط بعد الاستقلال وتحديدا عام 1964 (10-25 أكتوبر) حيث كانت ممثلة فيها برياضي واحد، محمد لزهاري المعروف اليوم بمحمد يمني.
فمحمد يمني, هذه القامة الرياضية المعروفة لدى الجميع بكونه الرياضي الأول الذي مثل الجزائر المستقلة “الفتية” في أولمبياد طوكيو, يدهشك عند حديثك معه ببساطته وتواضعه و أكثر من هذا وذاك, حسه المرهف جدا الذي تعكسه بوضوح الدموع التي تغمر عينيه وهو يتحدث عن تلك الفترة من تاريخ الجزائر الرياضي.
هذا الرجل الذي اختزلت فيه الرياضة الجزائرية بعد الاستقلال عقب اختياره من قبل وزارة الشباب و الرياضة من أجل تمثيل البلاد في الموعد الأولمبي, لا يزال لحد اليوم يتذكر تلك المرحلة بكل حيثياتها وبأدق تفاصيلها لأنها ببساطة مرحلة غير قابلة للنسيان.
و يتذكر محمد يمني (84 عاما) والمنحدر من حي القصبة العتيق من عائلة كثيرة العدد (12 طفلا), أنه لما بلغ سن الثانية عشرة, طلب منه والده ممارسة أي نشاط بدني يملأ به الفراغ ويزيد من لياقة جسمه وهو الأمر الذي تجسد فعلا بالتحاق يمني -الطفل- بقاعة “باتريوت” بحي القصبة السفلى.
غير أن بدايته الحقيقية مع الألوان الوطنية تعود إلى سنة 1962 حيث خيره “نادي بوتو” الفرنسي الذي كان ينشط في صفوفه بين البقاء معه أو العودة لتقمص ألوان وطنه الأصلي (الجزائر) . وبكل عفوية, فضل محمد يمني “موطن الانتماء والعودة إلى وطنه الأم”, باعتبار أنه كان في تلك الفترة يجري تدريباته العادية بباريس مع فريقه الذي توج معه بلقب البطولة الفرنسية.
و بعد الاستقلال, مكنه منصبه كمستشار رياضي من الاحتفاظ بصفة رياضي النخبة من أجل التنقل بعدها مجددا إلى باريس لمواصلة تحضيراته تحسبا لألعاب طوكيو الاولمبية.
و من هنا, بدأت رحلة محمد يمني الطويلة في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس, وكانت مشاعره آنذاك تمزج بين الاعتزاز لكونه الرياضي الأول الذي سيمثل الجزائر في اكبر موعد رياضي عالمي (الاولمبياد) والخوف باعتباره كان يعي جيدا ثقل المهمة الملقاة على كاهله, والمتمثلة في “التعريف بالجزائر في وقت كان الكثير من المشاركين في تلك المنافسة يجهلون حتى القارة التي تقع فيها”.
و بهذا الخصوص, يتذكر يمني : “كان بعض المشاركين يستوقفونني و يسألونني عن موقع الجزائر ولغتها الرسمية وغيرها من المعلومات, خاصة وأن المعلومة الوحيدة التي كانوا يعرفونها عن الجزائر أنها بلد الثورة. أتذكر أيضا أنني كنت وحيدا في القرية الاولمبية وكنت أحاول التغلب على عزلتي وخوفي بالتركيز على التدريبات والتفكير في المهمة الصعبة التي أوكلت لي. وفي هذه الفترة, زارني العديد من الأشخاص الذين كانوا يتوقون للحصول على معلومات عن الجزائر”.
و أضاف أن سفير الجزائر بطوكيو قام بزيارته في القرية الاولمبية وبطريقة ديبلوماسية وغير مباشرة, أسدى له بعض التوجيهات الضرورية , مشيرا إلى أن أصعب فترة كان يمر بها في القرية الاولمبية, هي فترة التدريبات لأنه كان يتدرب بشكل انفرادي. “كنت أجد نفسي وحيدا مثقلا بالأفكار المتضاربة وكنت افتقد للدعم والتوجيه. هذه الوحدة دفعتني للتقرب من بعض زملائي من المنتخب الفرنسي للعمل معهم, لكنني سرعان ما تراجعت عن هذه الفكرة لأنني أحسست ببرودتهم و فتورهم في تعاملهم معي, فأدركت حينها أنه لا يمكنني أبدا الاعتماد عليهم”.
و رغم الإرادة و العزيمة, أنهى محمد يمني الدورة في المركز ال91 في الترتيب العام لمسابقة الجمباز, وكان بإمكانه تحقيق نتيجة أحسن بكثير لو كانت تدريباته أحسن من حيث المستوى. “لم أكن مطالبا بتحقيق نتيجة جيدة (…) فمشاركتي لم تكن من أجل النتيجة بقدر ما كانت تهدف إلى الإشهار باستقلال الجزائر و تأكيد تواجدها على الساحة الرياضية الدولية”.
وخلص حامل راية الجزائر المستقلة في العاب طوكيو 1964 إلى القول بأن الرياضة, بالاضافة الى الاهتمام الذي تثيره لدى وسائل الاعلام, كانت دوما مصدر فخر و اعتزاز لدى الشعوب.
و اعتبر بأن الرياضة, و على مر السنين, أظهرت قدرتها على إخراج الجماهير للاحتفال في الشارع للتعبير عن فرحتها و كذا التعريف بأي دولة مهما كان موقعها في الخريطة بمجرد حصول أحد رياضييها على ميدالية في المحافل الدولية.