فى مدينة الفناء الموحش ننصح بالوقوف صراخًا! (شعر) لـــ محمد حسنى عليوة

فى مدينة الفناء الموحش ننصح بالوقوف صراخًا! (شعر) لـــ محمد حسنى عليوة


أشعر فجأةً

أنّ لدىّ قصيدة تريد أن أكتبها

أن أقول فيها ما لم يقله

تاجرُ البقالةِ للزبائنِ المُترفين

ما لم يقله حطّابُ الغابةِ

للفأسِ العاجزةِ عن النهوض

من سريرِ الشجرةِ المُبتل عويلًا،

وأسرارًا من دون ألسنةٍ تلوك

الشغاف من فحواها اللذيذة

أنا لا أستطيع الكتابة

عند صعودِ درجات السلم

لأنى قلبى ينزف خلفى

يطبع قبلاته الحارّة

على أثر ِحذائى الرخيص

ويصيح فى ظلّى

أن يقيلَ عثراتِ الرأسِ

فوق الجدرانِ الرطبة.

لا أستطيع أن أكون إلهًا

-من ذوى البشرة الصهباء-

يعتقد الناس فى قدرته الوظيفية

لخلق معجزاتِ الحياةِ النادرةِ

أو فِعْل مناورةٍ للحربِ على الساعةِ

العالقةِ فوق سرابِ الوقت؛

خوفًا من التقدمِ فى العمرِ

والتأخرِ فى المكانْ

قد آخذ قيلولتى الأخيرة،

من خشونةِ الليل

ومن رائحةِ النار اللزجة..

نصفى الأسفل يصل إلى الحافةْ..

والحافةُ تعطى انطباعًا أنّى

أقفُ فى زاويةٍ من الضياعِ

من الأفقِ المترامى الشتات

أرفعُ فوق ظهرى الطريقَ،

والقراصنةَ

وعمالَ البناءِ الفارعى القزامة

وأن صوتًا هناك يقول لى:

ارقُدْ بسلامٍ

أيها الفتى الممسوس

بالريحِ..

واركُضْ برجلك

حيث تعصف

الأرصفةُ

بأصهلةِ الخُطى.

استمتع..

-حيث أرادوا لك-

إن اغتصبوا القصيدةَ فى فمك،

وأبدلوا عينيك:

حجرًا جهة اليمين

وجهة اليسارِ زُمرّدة.

وما أنا سوى

رجلٍ ورث طاولةً للكتابة

وأذنين فى الحائط للتنصت

بين نافذةٍ وشفاه..

مثل ريحٍ؛

تُطعم اللقاحَ للزهر

وتكسر فى الكؤوس

مرارةَ الشفتين:

أجيد اتباعكِ كالظلالِ،

أجيد سرقةَ البحر

من قواربِ كفّيكِ

أعرفُ كيف يكون يومى

ممطرًا بالشعر أسفل الطاولات

ممسكا بأطرافِ الجونلات

ويصيح فى وجهِ المدى:

أعِرْنى عينك

كى أصيخَ السمع للشهوات

لا أعمل نادلًا فى بارِ المدينة

وآخذُ راتبًا من زجاجاتِ الفودكا

المحشوةِ بالأفواه الرخوةِ

والنكاتِ القبيحةِ عن أباطرةِ السياسة

بل أنا الكأسُ الفارغُة فى يدى

أنا الشوارعُ المرصوفةُ للضياع

أنا الظلُّ

فى الحائطِ المتهالك

وأسنانُ المشطِ الموازية لجثتى

كقضبان..

جثتى اللافائدة أبدًا من منحها الجائعين

وكل ما تملك الآن؛ لتحيا بذاكرةٍ

وجُمجمةٍ تحيط بسربِ النملِ الهاربِ

من شقوقِ الفراغِ الدامس..

أعرفُ

كم وسعتنى الخيامُ

وضاق، حين ألوذُ،

بوجهيَ المنفى.

أنا ربُّ مُعضلتي

تسابقنى الخطى

ويستنزفنى الشعرُ

حرفًا.. حرفا..

‏أعرف أنى

آلة خصركِ التى

تنفخين فيها من روحِ أنوثتكِ

فيرقص الشعرُ على أطرافِ أصابعهِ

وتنفجر القبلاتُ اثنتا عشرةَ عينًا

وستةَ أزواجٍ من الأفواهِ

وزمرةً من أصابع حلوى؛

تنتعلُ الخوذاتِ على يقين العشق

وترتدى القبعاتُ غرائز البربر..

أعرف أنى

قائد أوركسترا عجوز

أقنعوه بجيناتِ «مُوزارت»

وأورثوا جثته عدالة «بيتهوفن».

لا يليق برجلٍ مثلى

أن يعود مُنهزمًا مرتين

و لا بيتَ لى

لا قصائدَ من عُمرِ الجليدِ

لا أشجار تُرضع أفراخَ النسورِ

بدلًا عن حلماتِ الجبال

فأول ما أفكر فيه

عند ساعةِ الصياحِ الأولى

أول ما أعتبره نصرًا مظفّرًا لى:

أننى سأبقى واقفًا بما كتبتُه الآن عنكِ

فى أبديةِ النوافذِ المغلقةِ

وسأهبط العتمةَ بالمظلّةِ المهترئة

كآخر مَن نجا مِن ضجيجِ الصمتِ الموحش

فى المدينة/ الفانية.




Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *