د. مينا بديع عبد الملك يكتب: قراءة في كتاب «المرجع في قواعد اللغة القبطية»

د. مينا بديع عبد الملك يكتب: قراءة في كتاب «المرجع في قواعد اللغة القبطية»


من هى مصر؟ أين توجد مصر؟ بأى لغة تتحدثون؟..

فى عام ١٩٦٩ صدر عن جمعية مارمينا العجايبى للدراسات القبطية بالإسكندرية– والتى كانت قد تأسست فى نوفمبر ١٩٤٥– كتاب «المرجع فى قواعد اللغة القبطية»، والذى أوحى بإعداده البابا كيرلس السادس (١٩٠٢– ١٩٧١) البطريرك ١١٦. فقامت الجمعية بتشكيل لجنة من الأستاذ ملاك ميخائيل والأستاذ حبيب الشارونى بإعداد هذا المرجع النفيس استنادًا على كتاب «الكسى مالون» فى قواعد اللغة القبطية باللغة الفرنسية وكتاب «شين» فى اللهجات القبطية باللغة الفرنسية. ثم شكلت لجنة من المتخصصين فى اللغة القبطية وهم الأستاذ معوض داود عبد النور والأستاذ بسنتى رزق الله والأستاذ مرقس بطرس لتحقيق النصوص القبطية ومراجعة مفرداته.

وفى كلمة الجمعية بالكتاب التى سجلها د. منير شكرى (١٩٠٨– ١٩٩٠) رئيس الجمعية شكر- باسم أعضاء الجمعية- البابا كيرلس السادس الذى كان له كل الفضل فى إخراج تلك التحفة العلمية النفيسة إلى عالم الوجود، كما أن البابا كيرلس أعلن عن تفضله بالتبرع بتحمل مصاريف هذا الكتاب كاملةً وبرصد إيراد هذا الكتاب لإتمام مؤسسات دير مارمينا العجايبى بصحراء مريوط الذى بدأ فى بناءه يوم الجمعة ٢٧ نوفمبر ١٩٥٩. كما قام الأستاذ بديع عبد الملك (١٩٠٨– ١٩٧٩) المتخصص فى الخط والرسم الفرعونى بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية وأحد مؤسسى الجمعية بإعداد غلاف الكتاب وجميع الكليشيهات الداخلية. وقد تم طبع الكتاب بمطابع الـ «دون بوسكو» بالإسكندرية.

البابا كيرلس وتدشين المرجع

الكتاب يقع فى ٥٠٠ صفحة من القطع المتوسط ويضم عشرون فصلًا. وحدث بعد أن تم طبع الكتاب فى سبتمبر ١٩٦٩ أن توجه أعضاء الجمعية لمقابلة البابا كيرلس السادس فى المقر البابوى البسيط بالإسكندرية لإطلاعه على الكتاب وتسليمه عددًا من النسخ، فأخذ يتصفح الكتاب باهتمام وإعجاب شديدين، ووجه شكره لأعضاء الجمعية لتعبهم فى إعداد هذا الكتاب.

حدث فى سبتمبر ١٩٤٧ أن أصدرت الجمعية رسالتها عن «اللغة القبطية» وذلك بمناسبة عيد النيروز، فكتب رئيس الجمعية ومؤسسها– فى ذلك الوقت– الأستاذ بانوب حبشى مفتش الآثار بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية، فكتب يقول: (لقد أفردنا هذه الرسالة لمعالجة موضوع اللغة القبطية من كافة النواحى التى استطعنا إليها سبيلًا. وإذا كنا لا ندعى أنه أمكننا فى هذه الفصول القليلة أن نوفى هذا الموضوع الهام حقه من جميع أطرافه ونواحيه، فقد حاولنا ما وسعتنا المحاولة أن نرد إلى الناس هذه الصفحات من تاريخهم، بعد أن كانت تبتعد عنهم، والناس ينسون، والخوف كل الخوف فيما ينسون. وحاولنا ما وسعتنا المحاولة أيضًا، أن نذّكرهم أن هذه البقية الباقية من لغة الآباء والأجداد، التى عاشت خمسة آلاف سنة أو يزيد، قد أخذت فى السنوات القليلة الأخيرة تعز على أسماعهم وتكاد تمتنع عنهم، متوارية فى غمار التهاون والتفريط.. ثم حاولنا ما وسعتنا المحاولة أن نبصرهم بأن فى ضياع هذا التراث هدما لأحد تقاليد كنيستهم العريقة، وتقويض لدعامة قوية من دعائم جنسيتهم، وخسارة أدبية وعلمية لا تُعّوض).

تناول مقدمة الكتاب كلمة عن «اللغة القبطية»، فجاء فيها: كانت مصر تُعرف قديمًا، عند الشعوب السامية المجاورة لها، باسم «مصر» فى الأشورية و«مصرين» فى الآرامية، و«مصرايم» فى العبرية. كما عرفها العرب باسم «مصر». والـ«مصر» فى اللغات السامية تعنى «الحد». وقد أطلقت الشعوب السامية من آشوريين وآراميين وعبريين وعرب، على البلاد المتاخمة لهم «مصر». كما سمّوا سكانها بـ «المصريين». ثم أطلقت كلمة «مصر» على القطر عامة. (ومما يستحق الملاحظة أن كلمة «فينيس» Finis فى اللاتينية تعنى «حد»، وقد أطلق الرومان هذه الكلمة بصيغة الجمع على القطر أيضًا). بيد أن هناك من يذهب إلى أن كلمة «مصر» هى لفظ مُعّرب عن العبرانية التى نقلته فيما نقل اليهود عن المصرية القديمة. ففى المصرية القديمة «ما. سى. را» تعنى «مكان ابن أو أبناء الشمس».

غلاف الكتاب

وسمى المصريون بلادهم باسم «كيمى» أى الأرض السوداء. والمأثور أن «كيمى» أو «خيمى» مأخوذة من «حام» بن نوح. و«حام» أيضًا تعنى «أسود». وقد ورد فى المزامير قول داود النبى عن «مصر» أرض حام. وأسماها الأشوريون فى نقوشهم الأسفينية «هيكوبتاه» وهو الاسم الذى كان يطلقه المصريون على عاصمة مملكتهم «منف»، ومعناه «بيت روح بتاح»، وكان إطلاق هذا الاسم على المملكة كلها من قُبيل إطلاق العاصمة على القطر. وسمع اليونان هذا الاسم فأخذوه عنهم منذ عصور قديمة وأسموها «ايجبتوس»، وورد اسمها هذا عدة مرات فى شعر «هوميروس». فاذا حذفنا علامة الرفع (وس) ثم الحركة الأولى التى ظنها العرب حرف استهلال خلُص لنا بعد ذلك اسم «قبط».

ولم يقتصر المصريون على تسمية بلادهم باسم «ماسيرا» أو «كيمى»، وإنما ورد كذلك بالخط الهيروغليفى عدة أسماء أطلقها المصريون على بلادهم، منها «بك» وهو اسم لشجر كان يُزرع كثيرًا بمصر، و«تميرى» أى أرض الفيضان، و«نهى» وهو شجر الجميز لكثرته بمصر. غير أن أكثر هذه الأسماء ذيوعًا هو الاسم الذى بقى فى اللغة القبطية سائدًا حتى اليوم وهو اسم «كيمى».

اللغة القبطية هى «اللغة الكيميتية» التى كان يتكلم بها سكان وادى النيل منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد إلى ما يقرُب من القرن الثامن عشر بعد الميلاد، وهى بمثابة اللهجة الدارجة للغة المصرية القديمة المعروفة باسم «القلم الهيروغليفى» الذى استُعمل فى النقش على المسلات والمعابد. وأصبحت هذه اللهجة الدارجة فيما بعد اللغة السائدة فى البلاد، شأنها فى ذلك شأن اللغات الأخرى فى سائر أنحاء العالم.

وبمرور الزمن وتغير نظام الحكم مرة بعد مرة، وبتوالى احتلال البلاد المصرية من عناصر أجنبية، أدخل على اللغة القبطية تراكيب وكلمات وتعبيرات أغلبها يونانية مع إحلال وإبدال كما هى العادة عند دخول عناصر غريبة فى أى لغة. وكانت اللغة تنمو وتزدهر طورًا وتضعُف تارة تبعًا لحالة الشعب سياسيًا واقتصاديًا وأدبيًا. إلى أن كانت القرون الثانى والثالث والرابع للميلاد فشهدنا هذه اللغة، وقد كُتبت بحروف يونانية وأطلق عليها اسم «اللغة القبطية»، تصبح اللغة المتداولة فى الكتابة والكلام وتصل إلى ذروة مجدها.

وكانت الحروف اليونانية قد أدخلت على القبطية قبل الميلاد، بدليل العثور على نصوص قبطية وثنية، أى لغتها مصرية وحروفها يونانية وبها حروف «ديموتيقية». وهذه النصوص محفوظة فى كل من متحفى باريس ولندن.

كما أنه استمر استعمال الكتابة «الديموتيقية» حتى القرن الرابع للميلاد خصوصًا فى «أنس الوجود» بأسوان حيث تأخرت عبادة الأوثان إلى ذلك العهد. أما أحدث كتابة هيروغليفية وُجدت فى مصر فيرجع تاريخها إلى عهد الإمبراطور «داكيوس»، أى إلى منتصف القرن الثالث الميلادى.

وقد حدد الدكتور «ورل» Worrel التاريخ الذى أبطل فيه استعمال الكتابة الهيروغليفية والديموتيقية– فى كتابه الذى صدر عام ١٩٤٥ بمدينة ميتشجان الأمريكية، بقوله: (استمر استعمال النصوص الهيروغليفية إلى سنة ٣٩٤م، والنصوص الديموتيقية إلى سنة ٤٥٢م).



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *