د. صبرى زمزم يكتب: روضى الشريف تُفصح عن «أسرار عنبر ١٣»

هذه ليست الرواية الأولى للروائية الشابة روضى الشريف، فقد صدر لها من قبل رواية «ناب أزرق»، ورواية «تجربة الخروج من الجسد» الجزء الأول، واليوم نحن مع رواية جديدة هى «أسرار عنبر ١٣»، وهى الجزء الثانى فى سلسلة أدهم الشريف، والأديبة حاصلة على شهادة الماجستير فى الإعلام.
نتوقف أولًا أمام العنوان، لأن العنوان هو أولى عتبات النص ومفتاحه، وهو عنوان جذاب مثير يستمد جاذبيته من كلمة أسرار، فالإنسان مجبول على الشغف بمعرفة الأسرار وفض طلاسمها، وقد جاءت بصيغة الجمع، لتلهب تشوق القارئ لكى يستطلع هذه الأسرار ويفض طلاسمها.
«أسرار عنبر ١٣»، وكلمة عنبر توحى بمسرح الأحداث، وهو عنبر فى مستشفى، أما ١٣ فهذا الرقم تدور حوله أجواء من الغموض، لتعلقه بكثير من موروث التشاؤم من هذا الرقم، لذا حرص كثير من الكتاب على استخدام هذا الرقم، وكلنا أو معظمنا رأينا فيلم المنزل رقم ١٣، والزوجة رقم ١٣، ونحن أطفال قرأنا مغامرات الشياطين الـ١٣.
الإهداء، ثم بعد العنوان يأتى الإهداء. فالرواية: مهداة «لكل قارئ يطارد ظلال أفكاره»، وكلمة ظلال تضفى غموضًا أكبر على هذه الأفكار. «إلى من يبحث بین السطور عن إجابة لم يجرؤ على طرحها» هى بذلك تجعل القارئ يشمر عن ساعديه ويستحث عقله على التفتيش ليس فى السطور والكلمات بل بین السطور عن إجابة لم يجرؤ علی طرحها، لتتفاعل هذه الجملة مع العنوان، وبالتحديد كلمة «أسرار».


وتنبه القارئ إلى أن «هذه الرواية لیست مجرد حكاية بل مرآة يبحث عن نفسه فيها، فإن وجدت نفسك فى إحدى شخصياتها فاعلم أن العالم ملىء بأسرار لا تُروى، وأنك أحد هذه الأسرار».
أرادت الكاتبة من الوهلة الأولى أن تغازل القارئ وتقنعه بأنه سيجد نفسه فى هذه الرواية، وكأنه ينظر إلى مرآة، وجميل من الأديبة أن تهدى الرواية لقرائها.
ومنذ الكلمة الأولى فى الرواية تجذبنا إلى عالم خاص مختلف، فبطل الرواية أدهم يحاول الانفصال عن جسده ليس بالموت بانفصال الروح عن الجسد، وإلا كان هذا انتحارًا، بل إنه يمارس عملا روحانيا عن طريق الخروج بروحه وجسده الأثيرى والانفصال عن جسده المادى، فيما يُعرف بالإسقاط النجمى، وكان نتيجة ذلك أن سمع ما لم يسمعه بشر ورأى ما لم يخطر على بال إنسان، وهى تجربة تجعل أدهم فى مرحلة وسطى بين الحياة والموت ليعود إلى جسده المادى مرة أخرى لتبدأ القصة.
لنكتشف أن بطل الرواية الأوحد هو أدهم الشريف وكيل النيابة الشاب الذى يعانى مشكلات اجتماعية فى حياته الزوجية، حيث إنه مطلق وفى حياته الأسرية، حيث إن أمه مختفية ويبحث عنها، ولارتباطه بها يراها دائما فى أحلامه ترشده إلى أشياء يحاول أن يتتبعها ورموز مبهمة يحاول أن يفسرها… ولكن بالتوازى مع ذلك الخط تشركنا الأديبة فى حياة أدهم العاطفية، بين مطاردة ليلى زوجته السابقة له، ونفوره منها، وبين تعرفه على رانيا تلك الطبيبة الجميلة التى أخفت عنه حقيقة انفصالها عن زوجها، مما أدى إلى محاولته الابتعاد عنها لأن ضميره لم يسمح له أن يتعلق عاطفيًا مع امرأة متزوجة وطريقه إليها مسدود من البداية فلا داعی لأن يتعلق بأحلام ووعود لن يجنى من ورائها إلا العذاب.
ولكن رانيا یزداد تعلقها به فتصارحه بحقيقة انفصالها عن زوجها، وأنها لا تصرح بذلك حتى لا يطمع فيها من فى قلبه مرض من الرجال وما أکثرهم، وأولهم رئيسها فى العمل.
وبمرور الأحداث تبرز شخصيات أخرى هى ثانوية، ولكنها مهمة جدًا لسريان الأحداث، خصوصًا فى اتجاه البحث عن أمه الغائبة، واختفاء ليندا الأرملة الجميلة الثرية فى ظروف غامضة، ليبدأ التحقیق عنها كوكيل للنيابة من جانب، وكان يبحث عن أمه من جانب آخر. لیلتقى الأمران فى خيط واحد يكتشفه عن طريق الإسقاط النجمى، واستشارات أمه إلى وجودها فى مستشفى ليكتشف أنها فى مستشفى حماه السابق، وأنه يحتجزها وآخرين للاستيلاء على أعضائهم وبيعها فى سوق الأعضاء الرائجة، أو إجراء بعض التجارب على بعضهم أو الاستمتاع بتعذيب بعضهم عضويًا ونفسيًا.
والأديبة ألمحت إلى أهمية دور الصحافة فى فضح الممارسات السلبية، وجعلها قضية رأى عام عن طريق الصحفية هدى الشجاعة التى أثارت عاصفة من القلق للدكتور سمير صاحب المستشفى الذى يحتمى بعصابة كبيرة، استطاعت أن تتخلص من أحد المتتبعين لهم بقتله، فهددت الصحفية التى اختفت لأنها أخذت تهديدهم مأخذ الجد.
هنا تلعب الأديبة روضى الشريف بأعصاب القارئ وتحيطة بدائرة من التوتر والقلق الذى يجعل الأحداث غاية فى الإثارة، عندما شعر البطل أدهم بالخطورة، وأنه قد يقع تحت طائلة انتقام د. سمير حماه الذى أراد أن ينتقم لابنته فى شخصه وشخص أمه التى يحتجزها فى مستشفاه للأمراض النفسية، ثم تكشف عن دور الدكتورة حنان الطبيبة النفيسة المجرمة التى استطاعت أن تستغل أدهم مريضها أسوأ استغلال بالسيطرة على عقله، عن طريق الموجات الصوتية لتستدرجه ليدخل إلى المستشفى بقدميه كشَرَك للتخلص منه. وبينما هو على وشك السقوط تحت هيمنة د. حنان، إذا بالمنقذ له هى أمه للدلالة على دور الأم عموما وارتباط هذه الأم بأدهم خصوصا عن طريق التخاطر والأحلام والرسائل. غير التقليدية التى يستقبلها ويحاول فك رموزها.


فهو أراد أن ينقذ أمه فإذا بأمه هى التى تنقذه وتساعده فى السيطرة على د. حنان ود. سمير، لتصل بنا الأديبة إلى منقذ آخر وهى حبيبته رانيا التى عهد إليها بهذا الدور حال اختفائه.. أن تبلغ السلطات بفلاشة عليها كل التفاصيل.
وهنا يأتى السؤال: لماذا لم يتصرف أدهم فى مشكلته الخاصة تصرف رجل نيابة أو رجل أمن فيحرك الماء الراكد ويحاصر المتهمين بطرق الأدلة والتلبس بشكل مباشر وقانونى، ولماذا يلجأ فى هذا إلى رانيا رغم أن ذلك قد يعرضها للخطر ولم يوكله إلى زميل له فى عمله، أو صديق مقرب له ليقوم بهذا؟
هل أرادت روضى الشريف أن تجعل الأمر أكثر رومانسية، أم أرادت ككاتبة الانحياز إلى المرأة، لتعلى من مكانة المرأة سواء كانت أمًا أو حبيبة فقد كان لهما القول والفعل الفصل فى إنقاذ أدهم من جانب، وفى الإيقاع بالمجرمين من جانب آخر.
ثم تأتى النهاية التقليدية التى كنا ننتظرها من البداية، وهى زواج أدهم من رانيا تنفيذًا لوصية والدته قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فقد ماتت بعد أن بذل أدهم جهدا كبيرا لإنقاذها، وبذلت هى جهدا كذلك فى إنقاذه.
والرواية مزيج كما قلنا بين الواقع والخیال وبين کونها بوليسية واجتماعية وعاطفية وسيكولوجية، حیث غلب على البطل أدهم أمور غير طبيعية كما أشرنا، مثل التواصل مع أطراف ورؤية أشياء بطريقة الكشف الأقرب إلى الكشف الصوفى أو الإسقاط النجمى.
كثير من الشخصيات الهامشية هلامية لم تعتنِ الأديبة بوصفهم وتقديمهم بصورة أكثر عمقًا فمعظمها لم توصف لا شكلًا ولا مضمونًا.
فكانت شخصيات غائمة لا ملامح لها، سواء شخصية ليلى الزوجة أو حنان الطبيبة النفسية أو حتى سمير حما أدهم رغم أهمية هذه الشخصيات فى الأحداث إلا أنها كانت ضعيفة الحضور باهتة الملامح فلا يستطيع القارئ أن يتذكر لها ملامح تفصل كل شخصية بوضوح عن غيرها، فتاه القارئ فى بعض الصفحات بين لیلی وحنان ورانيا ومنى وكذا بين أصدقاء أدهم ورئيس د. رانيا فى العمل وحتى شركاء د. سمير فى الإجرام الإنسانى والطبى لم تبدُ لهم ملامح، فكنت أتمنى أن ترسم هذه الشخصيات بعناية أكثر. سواء من الناحية الفيزيقية الشكلية الخارجية، أو من خلال الناحية النفسية التى تحول هؤلاء من أطباء رحماء إلى مجرمين مغتصبين بلا قلب ولا عقل، دون أن تغوص داخل كل منهم لتوضيح دوافعهم ومشاعرهم.
الزمن: الزمن فى الرواية قصير، فهو أیام معدودات فی تنامٍ مسلسل، ولم تلجأ لتقنية الفلاش باك أو الارتداد الزمنى، وكنت أفضل أن تلجأ لمثل هذه التقنية لربط الماضى بالحاضر بالمستقبل.
* المكان: تنقلت الرواية بين أماكن كثيرة، منها شقة أدهم وعمله والكافتيريا والسيارة والمستشفى، فاستطاعت بالتنقل بين هذه الأماكن أن تجعل الأحداث مشوقة، خصوصًا فيما يكتنف المستشفى وعنبر ١٣ من غموض، حيث كان كلمة السر فى النهاية، حيث وجد ضالته التى بحث عنها طوال القصة، سواء أمه أوليندا، ليكون العنبر هو البداية فى العنوان، وهو سر النهاية.
ولكن الرواية كثيرة الأخطاء اللغوية، سواء الإملائية أو النحوية، وكنت أتمنى أن تكون أقل كثيرًا من ذلك، وليتحقق ذلك لابد للدار التى تصدرها من إسناد المراجعة إلى شخصين يراجع كلٌّ منهما على الآخر، ولا يترك لشخص واحد، لأن اللغة العربية متعددة المستويات.
لغة الرواية سهلة بسيطة وعميقة فى آن واحد، تجمع بين الإمتاع والتشويق والتأثير من خلال السرد الذى أجرته على لسان الراوى العليم الذى يرى كل الأحداث وكل الأشخاص وتكلم عنهم ووصفهم.
وفى الوقت نفسه استخدمت اللغة العامية فى الحوار، وهى سلاح ذو حدين، الحد الأول التبسيط والوصول إلى أكبر قاعدة من القراء المصريين، ولكن الحد الثانى يتمثل فى عدم النفاذ إلى خارج الحدود، فاللهجة المصرية، وإن كانت منتشرة عبر الدراما، إلا أنها فى الروايات والقصص تكون حاجزًا أمام غير المصريين الذين يفضلون أن يكون الحوار بالفصحى البسيطة، ليفهمها القراء العرب جميعًا.
أحيى الأديبة روضى الشريف لاختيار موضوعات قصصها التى يغلب عليها الطابع البوليسى، سواء فی روایة «ناب أزرق» أو فى هذه الرواية، وتذكرنا فيها بأنها تحاول أن تكون أجاثا كريستى العرب.
ونحن فى انتظار روایات أخری فيها مزيد من التشويق والإمتاع.