د.خالد عزب يكتب: «الفن واﻹبداع.. تحديات بصرية وتشكيلية».. كتاب جديد عن تغريدات الإبداع

د.خالد عزب يكتب: «الفن واﻹبداع.. تحديات بصرية وتشكيلية».. كتاب جديد عن تغريدات الإبداع


صدر فى القاهرة كتاب (الفن والإبداع.. تحديات بصرية وتشكيلية) عن دار أقلام عربية فى القاهرة، وهو من تأليف رضا معوض، وهى ناقدة فنية وفنانة تشكيلية. ترى المؤلفة أن الإبداع هو الهروب من أنماط الحياة المتعارف عليها حتى نتمكن من رؤية الأشياء بصورة مختلفة.

اختلف العلماء المعاصرون فى تحديد مفهوم الإبداع، لأن كلًا منهم تناوله من زاويته الخاصة أو تخصصه أو اهتماماته الشخصية، فتعريف الإبداع يتصف بالمرونة والسعة. وعلى الرغم من الاختلاف والتنوع إلا أن «هناك تعريفات تؤكد على أهمية الإنتاج أو ندرته أو فائدته، وأخرى تركز على العمليات العقلية المنظمة، والبعض يركز على مسار النمو والتغير فى الحياة النفسية للمبدع، كما تدور بعض التعريفات حول الخبرة الذاتية للمبدع، وهناك ما يؤكد على إدراك المشكلة وطرح مدخلات تقنية جديدة».

وقد قدم علماء النفس كمًّا هائلًا من التعريفات، وتناولت المؤلفة بعضًا من هذه التعريفات:

يُعرف الإبداع فى المعجم الوسيط ومعجم مختار الصحاح بأنه: «إبداع الشىء اختراعه لأعلى مثال، وإنشاؤه على غير مثال سابق، وجعله غاية فى صفاته».

وفى الموسوعة النفسية، يُعرف الإبداع بأنه: «القدرة على الابتكار الذى يكون رسمًا أو فكرة أو نظرية أو اختراعًا، والعمل المبدع لا يصدر إلا من شخص خلاق مبدع له خصائصه وتفكيره، وله خلفية اجتماعية وثقافية وظروف بيئية تمكن الفرد من مواجهة مشكلة تستعصى على الحل، فيتصدى لها ويقدم حلولًا للمشكلة».

من خلال التعريفات السابقة، تستنتج المؤلفة أن الإبداع يعنى خلق فكرة من عدم، أما الابتكار فهو خلق فكرة جديدة من خلال تجربة فنية سابقة. فالإبداع صفة شخصية، بينما التفكير الإبداعى أسلوب عمل أو أسلوب تفكير، لذا كان تعلمه ممكنًا كتعلّم أى مهارة.

وفى الموسوعة العربية الفلسفية، عُرف الإبداع بأنه: «إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة فى أحد المجالات كالعلوم والفنون والآداب». أما الموسوعة البريطانية الجديدة فتُعرف الإبداع بأنه: «القدرة على إيجاد شىء جديد كحل لمشكلة ما أو أداة جديدة أو أثر فنى أو أسلوب جديد».

وفى قاموس علم النفس، يعرف ريبر (Reber ١٩٨٥) الإبداع بأنه: «تعبير يشير إلى العمليات العقلية التى تؤدى إلى حلول أو أفكار أو أشكال فنية أو نظريات أو إنتاج فريد أو جديد». بناءً على هذا التعريف، ترى المؤلفة أن الإبداع هو رؤية الخامة بطرق تشكيلية وتقنية جديدة ومختلفة، وإيجاد حلول ومداخل جديدة أثناء تناول تلك الخامة، أو توليد أفكار تجمع بين الأفكار القديمة والمفاهيم بطرق مستحدثة.

ثم يعرف جيلفورد (Guilford) الإبداع بأنه: «عملية عقلية أو نمط من التفكير التباعدى يتصف بالطلاقة والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات، وينتج عنه ناتج ابتكاري». أما تورانس (Torrance) فقد اعتبر الإبداع عملية إدراك المشكلات والفجوات أو التناقضات أو عدم الاتساق فى المعرفة المرتبطة بمجال من المجالات.

ويتفق كلٌّ من فروم (Fromm) وهارمات (Harmatt) على أن الإبداع عملية ينتج عنها شيء جديد، سواء كان هذا الشىء فكرة أو موضوعًا.

لذا ترى المؤلفة أن الإبداع مزيج من الخيال والتفكير المرن لتطوير فكرة قديمة أو لإيجاد فكرة جديدة مهما كانت صغيرة، ينتج عنها إنتاج مميز غير مألوف يمكن تطبيقه واستخدامه.

ويؤكد كلارك (Clark) على أن الإبداع «يتميز بأربعة مظاهر وهى: التفكير، والحدس، والانفعال، والمعنى».

غلاف الكتاب

ومن وجهة النظر العلمية، يُشار إلى الإبداع على أنه «نواتج للفكر الإبداعى– الذى يُشار إليه فى بعض الأحيان بالفكر التباينى (Divergent Thought)، وعادة ما يجمع بين الأصالة والمواءمة. فالإبداع هو عملية دورية مستمرة يُبنى من خلالها المعرفة على معرفة مسبقة بأفضل الأفكار التى تم استيعابها، مع تجاهل الأفكار السيئة، فى عملية شبيهة بعملية التطور».

بناءً على المفاهيم السابقة، ترى المؤلفة أن مفهوم الإبداع فى الأشغال الفنية هو القدرة على توليد الأفكار الإبداعية وإظهارها من الفكر إلى الواقع (المرئي) الفعلى الملموس، وتوليد أفكار بمفاهيم جديدة وإيجاد روابط وحلول تشكيلية جديدة بين الأفكار قديمًا وحديثًا، وربطها بمفاهيم العصر من حيث تعدد الوظيفة وتعدد الرؤى للمشغولة الفنية الواحدة.

يُعتبر التفكير الإبداعى ظاهرة متعددة الأوجه أكثر من كونه مفهومًا نظريًا أحاديًّا محدد التعريف. ولما كانت مصطلحات الإبداع نتاج الحياة المعاصرة، فإن الصراع بين الجديد والقديم أو بين التقليد والإبداع كان دائمًا قوة فاعلة فى التاريخ، لذا تعددت المصطلحات بتعدد وجهات النظر الشخصية.

التفكير الإبداعى عملية تلقائية وسمة أساسية من سمات العقل البشرى. والتفكير مهارة، وأى مهارة تحتاج إلى التعلم والتجريب لاكتسابها الخبرات بشكل صحيح. فالتفكير «كعملية معرفية عنصر أساسى فى البناء العقلى المعرفى الذى يمتلكه الإنسان، ويتميز بطابعه الاجتماعى وبعمله المنظومى الذى يجعله يتبادل التأثير مع عناصر البناء المؤلف منها؛ أى يؤثر ويتأثر ببقية العمليات المعرفية الأخرى كالإدراك، والتصور، والذاكرة… إلخ، ويؤثر ويتأثر بجوانب الشخصية العاطفية، والانفعالية، والاجتماعية».

التفكير الإبداعى كعملية عقلية يحتوى على ثلاثة مفاهيم رئيسية وهى: (التفكير، والفكرة، والإبداع)، أو ما يُسمى بـ(الحوار الداخلى) أو «دراما الأفكار» للوصول إلى مفهومه العام.

مفهوم التفكير والفكرة والإبداع (الحوار الداخلى):

تناولت المؤلفة تعريف الحوار الداخلى بأنه: «النشاط النفسى الذى يتم داخل عقل الفنان ويناجى فيه نفسه، سواء كانت هذه المناجاة مباشرة أو غير مباشرة (استغراق فى محاورة الذات). وهدف الحوار هو إزالة الصراع داخل الذهن من أجل تحقيق الاتزان النفسى للفنان، ولا يتحقق ذلك إلا بالمثابرة والمرونة من خلال إيقاع تعبيرى يقود حركة هذا الحوار».

الحوار الداخلى هو الأداة البشرية التى تتجاوز بالفنان أرض الغموض إلى سماء الوضوح والمعرفة. وهو لون من ألوان التفكير، وفيه يكون الفنان حرًّا طليقًا غير مقيد بفكرة ما، ويضيف دائمًا أفكارًا جديدة. قد يحدث الحوار الداخلى بين الفنان ونفسه أو بين الفنان والخامة. وهدفه إعادة الاتزان إلى جانب من البناء النفسى للفنان، بمعنى تحقيق قدر من التكيف المنشود، فيظل الفنان يحاور نفسه إلى أن يصل إلى الفكرة (شىء يرضيه).

عندما يبدأ الفنان، فى رأى المؤلفة، معالجة فكرة معينة، فإنها تبدأ كنواة تحاول أن تتلمس طريقًا داخل البناء النفسى (العقلى التخييلى) إلى أن تنمو هذه الفكرة؛ أى نقل فكرته المتخيلة إلى الوسيط الخارجى.

مفهوم التفكير ودوره فى العملية الإبداعية:

تعددت، فى رأى رضا معوض، طرق التناول والتعريفات الخاصة بالتفكير باعتباره عملية ذهنية معقدة أو مركبة أو مجردة، ويتم الاستدلال عليها من خلال النتائج وما يظهره السلوك الإنسانى فى المواقف المختلفة. «فالتفكير يمثل أعقد نوع من أشكال السلوك الإنسانى، ويمثل أيضًا أعلى مراتب النشاط العقلى. فالإنجازات الإنسانية والتقدم فى المجالات المختلفة، بما فى ذلك تطور الفن والثقافة والأدب والعلوم والتكنولوجيا، هى ببساطة نتاج التفكير».

يرى العالم راجونتان (Raghunathan) أن التفكير والإبداع لا ينفصلان، وهما فى الواقع وجهان لعملة واحدة. فعند القيام بعمل فنى ما، ينبغى على الفنان أن يتخيله ويفكر فيه أولًا قبل أن يتمكن من القيام به. فجميع الأعمال الفنية أو الحرفية أو العلمية تحدث أولًا فى عقل المبدع قبل أن تظهر فى العالم الحقيقى والواقع الحياتى.

تذهب المؤلفة إلى أنه عندما نريد أن نتحدث عن الإبداع، يجب أن نتحدث عن التفكير؛ فهو أساس الإبداع، وهو ما يميز الإنسان عن باقى المخلوقات.




Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *