القاهرة، مصر (CNN)– واصل سعر صرف الجنيه المصري تراجعه أمام الدولار ليسجل 19.03 جنيه للشراء، و19.14 جنيه للبيع في البنك المركزي بختام تعاملات يوم الأربعاء، وذكر خبراء أن هذا الانخفاض يرجع إلى استمرار تداعيات أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، والمشاورات مع صندوق النقد الدولي، والذي يطلب مزيد من المرونة في سعر الصرف.
وقال الدكتور فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، إن تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال الأيام الماضية، يأتي نتيجة استمرار تبعات أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت سلبًا على الاقتصاد المصري، حيث أدت إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية والوقود، وخروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من مصر بقيمة 20 مليار دولار، مضيفًا أن مصر لم تشهد وحدها خروج الأموال الساخنة حيث خرجت من كل الأسواق الناشئة، وذكر أن الحكومة المصرية تحاول التعامل مع هذه التداعيات لتخفيف حدتها.
وسبق أن صرح الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري، منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، أن تقديرات تكلفة الحرب الروسية الأوكرانية على موازنة مصر بلغت 465 مليار جنيه (24.4 مليار دولار) مقسمة بين 130 مليار جنيه (6.8 مليار دولار) تكلفة مباشرة، ونحو 335 مليار جنيه (17.6 مليار دولار) تكلفة غير مباشرة.
وأضاف الفقي، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية ، أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تسببت في ندرة النقد الأجنبي، مما تسبب في تخفيض سعر صرف الجنيه تدريجيًا، وتحاول الحكومة المصرية منح مرونة في سعر الصرف لتتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي للموافقة على منح مصر قرض جديد.
وتتفاوض الحكومة المصرية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، لتمويل الفجوة التمويلية بعد خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بقيمة 20 مليار دولار، و20 مليار آخرين التزامات دولية خلال العام المالي الجاري، وبحسب تصريحات حكومية، فإن المشاورات مستمرة للتوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بين الجانبين.
وحذر فخري الفقي من خطورة التحرير الكامل لسعر الصرف، موضحًا أن خفض سعر صرف الجنيه لن يؤثر بصورة إيجابية على زيادة الصادرات المصرية في ظل تأثر العملية الإنتاجية باستيراد الخامات، وحتى السياحة يتسبب انخفاض الجنيه في جذب شريحة من السياحة منخفضة الدخل ولا تحقق إيرادات مرتفعة للدولة، في المقابل يتسبب التحرير الكامل في موجة غلاء للأسعار وزيادة غير مسبوقة للتضخم، خاصة وأن حجم واردات مصر ارتفعت بعد الأزمة الأوكرانية إلى 8 مليارات دولار شهريًا من 5 مليارات دولار قبل الأزمة، نتيجة تحوط مستوردين بشراء منتجات تفوق الاحتياجات.
وارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال الربع الأول من عام 2022 لتسجل 14 مليار دولار مقابل 9.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بزيادة بلغت 4.3 مليار دولار، وبنسبة نمو سنوي 44.3%، بحسب بيانات جهاز الإحصاء.
وأشار الفقي إلى أن البنك المركزي حاول تحجيم الاستيراد للحفاظ على السيولة من النقد الأجنبي من خلال اشتراط إصدار الاعتمادات المستندية بدلًا من مستندات التحصيل، لوقف استيراد بعض السلع غير الضرورية، في حين سمح بتوفير النقد الأجنبي لاستيراد الحبوب والأدوية وكذلك مستلزمات الإنتاج.
وتراجع احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى 33.4 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران من 35.5 مليار دولار في نهاية مايو، بحسب بيانات البنك المركزي.
ولفت الفقي إلى رحلة الجنيه المصري أمام الدولار خلال آخر 6 سنوات، حيث مر سعر صرف الجنيه بـ3 مراحل؛ الأولى مع قرار البنك المركزي، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بتحرير سعر الصرف، والذي عرف إعلاميًا وقتها بـ”تعويم الجنيه”، لينخفض من 8.8 جنيه إلى مستويات 20 جنيهًا، والمرحلة الثانية ارتد الجنيه تدريجيًا في ظل نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي حتى استقر عند مستويات 15.6 جنيه لمدة 4 سنوات.
وأضاف المرحلة الثالثة هبط سعر صرف الجنيه بعد الأزمة الاقتصادية العالمية جراء جائحة كورونا وخروج 18 مليار دولار استثمارات أجنبية غير مباشرة، لينخفض إلى مستويات 16 جنيهًا، ثم تراجع مرة ثانية بعد حصول مصر على قرض من صندوق النقد الدولي وإدارة مصر لتداعيات الجائحة إلى مستوى 15.7 جنيه، متابعًا أن سعر صرف الجنيه دخل في مرحلة جديدة، مع الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة لينخفض تدريجيًا حتى تخطى مستوى 19 جنيهًا، وهو مستوى لم يشهده خلال آخر 5 سنوات، ولكنه ليس أدنى مستوى وصل إليه الجنيه في التاريخ، حيث سجل أدنى من المستويات الحالية خلال فترة تعويم الجنيه عام 2016.
وتوقع فخري الفقي أن يستقر سعر صرف الجنيه ويتم توفير سيولة من النقد الأجنبي للمستوردين، عقب سد الفجوة التمويلية بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، وتمويلات من مؤسسات دولية أخرى إضافة إلى المساعدات الخليجية، كما توقع أن يوافق صندوق النقد على إقراض مصر في ظل التاريخ الناجح للحكومة المصرية مع الصندوق في الوفاء بالالتزامات السابقة.
وقال الخبير المصرفي محمد بدرة إن تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار جاء نتيجة ارتفاع الفجوة بين الصادرات والواردات المصرية لتتراوح بين 40-50 مليار دولار، ولذا فإن الاحتمال التراجع لأكثر من ذلك وارد، إضافة إلى أن صندوق النقد الدولي يشترط التحرير الكامل لسعر العملة أو مزيد من المرونة حتى يحد توازن بين العرض والطلب على الدولار في مصر.
وأضاف بدرة، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أنه من الصعب تحديد قيمة عادلة لسعر صرف الجنيه أمام الدولار في ظل وجود موارد أخرى للنقد الأجنبي مثل إيرادات السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، متابعًا أن تحديد سعر عادل يتطلب التوزان بين العرض والطلب للدولار، ولكن مازالت هناك فجوة بين الطرفين.
وأشار محمد بدرة إلى تسعير بعض التجار سعر صرف الجنيه أمام الدولار عند مستوى 23 جنيهًا، وذلك للاحتفاظ بهامش أكبر من السعر الرسمي للحفاظ على التكلفة وتذبذب سعر الجنيه.