تفسير «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ»
القاهرة – مصر اليوم
تفسير قوله تعالى «.. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ…..» ( الإسراء61)
يقول الإمام الشعراوى رحمة الله فى خواطره « يقول تعالي: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ )أي: تذكّروا أن الحسد قديم قِدَم وجود الإنسان على هذه الأرض، تذكّروا ما كان من أمر آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله، فهى مسألة قديمة ومستمرة فى البشر إلى يوم القيامة.والمعني: واذكُرْ يا محمد، وليذكر معك قومك إذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم. وسبق أنْ تكلمنا عن السجود، ونشير هنا إلى أن السجود لا يكون إلا الله تعالي، لكن إذا كان الأمر بالسجود لغير الله من الله تعالي، فليس لأحد أن يعترض على هذا السجود؛ لأنه بأمر الله الذى يعلم أن سجودهم لآدم ليس عَيْباً وليس قَدْحاً فى دينهم وعبوديتهم للحق سبحانه وتعالي؛ لأن العبودية طاعة أوامر.
والمراد بالملائكة المدبرات أمراً، الذين قال الله فيهم: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله..} [الرعد: 11].وقد أمرهم الله بالسجود لآدم؛ لأنه سيكون أبا البشر، وسوف يُسخّر له الكون كله، حتى هؤلاء الملائكة سيكونون فى خدمته؛ لذلك أمرهم الله بالسجود له سجودَ طاعة وخضوع لما أريده منكم، إذن: السجود لآدم ليس خضوعاً لآدم، بل خضوع لأمر الله لهم.
وقوله تعالي: {إَلاَّ إِبْلِيسَ..} [الإسراء: 61].فهِم البعض منها أن إبليس كان من الملائكة، ونحن نعذر أصحاب هذا الفهم لو عزلنا هذه الآية عن بقية الآيات التى تحدثتْ عن هذه القضية، لكن طالما نتكلم فى موضوع عام مثل هذا، فيجب استحضار جميع الآيات الواردة فيه لتتضح لنا الصورة كاملة.
فإذا كان دليل أصحاب هذا اقول: الالتزام بأن الله قال: {فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ..} )الإسراء: 61(وقد كان الأمر للملائكة فهو منهم، سوف نُسلِّم لهم جدلاً بصحة قولهم، لكن ماذا يقولون فى قَوْل الحق سبحانه فى القرآن الذى أخذوا منه حجتهم: {فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ..} (الكهف)
فإنْ كان دليلكم الالتزام، فدليلنا نصٌّ صريح فى أنه من الجن، فإنْ قال قائل: كيف يكون من الجن ويُؤاخَذ على أنه لم يسجد؟نقول: إبليس من الجن بالنصِّ الصريح للقرآن الكريم، لكن الحق سبحانه وتعالى آخذه على عدم السجود لآدم واعتبره من الملائكة؛ لأنه كان مطيعاً عن اختيار، والملائكة مطيعون عن جِبلَّة وعن طبيعة،فبذلك كانت منزلة إبليس أعلى من منزلة الملائكة، لأنه مختار أن يطيع أو أن يعصي، لكنه أطاع مع قدرته على العصيان فأصبح جليس الملائكة، بل طاووس الملائكة الذى يزهو عليهم ويتباهى بأنه صالح للاختيار فى العصيان، ومع ذلك ألزم نفسه منهج الله.
فإذا أصبح فى منزلة أعلى من الملائكة وأصبح فى حضرتهم، فإن الأمر إذا توجَّه إلى الأدنى فى الطاعة فإن الأعلى أَوْلَى بهذا الأمر، وكذلك إن اعتبرناه أقلّ منهم منزلة، وجاء الأمر للملائكة بالسجود فإن الأمر للأعلى أمر كذلك للأدني، وهكذا إنْ كان أعلى فعليه أن يسجد، وإنْ كان أدنى فعليه أنْ يسجدَ.
قد يهمك ايضاً
دار الإفتاء المصرية تستطلع هلال شهر شوال وموعد عيد الفطر الثلاثاء