“تحدي الثلج”: دعوة للعمل الخيري أم حب للظهور؟
- كريس بارانيوك
- كاتب صحفي
هل شاركت في “تحدي الثلج” كما يفعل كثير من المشاهير اليوم؟ وماذا كان هدفك من ذلك؟ وهل نجحت الفكرة في لفت الانتباه إلى دعم العمل الخيري، كما أراد صاحبها على الأقل، أم أصبحت فرصة لمحبي الظهور والنرجسيين؟
في أغسطس/آب 2014، تداول كثير من الناس عبر الانترنت مقاطع فيديو من مختلف أنحاء العالم تعرض ما يعرف باسم “تحدي دلو الثلج”. وشارك الآلاف من كل المستويات الاجتماعية تقريبا في تحميل مقاطع فيديو على الإنترنت تظهرهم وهم يسكبون دلوا من الثلج فوق رؤوسهم.
كان الهدف من الفكرة في بداية الأمر هو جمع التبرعات لصالح الجمعيات الخيرية لرعاية المصابين بمرض “التصلب الجانبي الضموري”، لكن الأمر أثار استياء البعض في نهاية المطاف.
وكتب مايكل هوغان في صحيفة التليغراف البريطانية: “إنه استعراض على صفحات الإعلام الاجتماعي، هدفه الأساسي لفت الانتباه بدلا من المساهمة في العمل الخيري بالفعل.”
وقال النجم التليفزيوني “ستيف أو” على حسابه على موقع انستغرام إن كثيرا من المشاهير نسوا ذكر الهدف الخيري من ذلك التحدي في المقاطع التي بثوها. وتقول الكاتبة ارييل باردس في مجلة “فايس” الإلكترونية: “هناك الكثير من الأمور الخاطئة في تحدي دلو الثلج، لكن أكثرها إزعاجا هو أنه أصبح تجسيدا لنرجسية مغلفة بقناع العطاء.”
لكن ما المانع في وجود قليل من النرجسية إذا كان الهدف هو فعل الخير؟
يعتقد كيث كامبل من جامعة جورجيا أن جذور فكرة تحدي الثلج تعود إلى ثقافة النرجسية السائدة في المجتمعات المعاصرة. فالنرجسية في رأيه ليست فقط مجرد ظاهرة في المجتمع اليوم، لكنه يرى أنها “وباء”.
لقد استنتج كامبل، الذي قضى عقوداً في دراسة عدد من مظاهر الثقافة الغربية مثل برامج تليفزيون الواقع وعمليات التجميل، أن هناك ظاهرة تتمثل في وجود تركيز قوي على مفهومين أساسيين، هما الذاتية والفردية.
ولاحظ أن الأغاني التي انتشرت خلال الفترة من 1980 الى 2007 قد عكست تلك الظاهرة. فقد كثر في تلك الأغاني استخدام الكلمات التي تروج لأنماط السلوك غير الاجتماعي، بينما تراجع استخدام الألفاظ المتعلقة بالمشاعر الإيجابية والعلاقات الاجتماعية.
ويقول كامبل: “إن كنت نرجسيا فهذا جيد إذا أردت أن تبدأ في علاقة اجتماعية، أو تحصل على وظيفة في مكان ما، أو تنتخب لمنصب سياسي، أو تصبح من مشاهير برامج تليفزيون الواقع.”
ويضيف: “هذه هي الجوانب الإيجابية للنرجسية، لكن الجوانب السلبية تفوق تلك الإيجابية بكثير. ومن أبرز هذه السلبيات هي الرغبة الدائمة في التلاعب بالناس واستغلالهم، ما يعني تدهور الأخلاقيات لدى الفرد. إنه حقاً مزيج من السلبيات والإيجابيات.”
ورغم ذلك، يجري استغلال النرجسية في تشجيع بعض الخصال الجيدة مثل الإيثار، كما حدث مؤخراً مع حملات خيرية متعددة والتي عمد بعضها إلى مخاطبة هويتنا الاجتماعية.
الشوارب والمكياج
أحد تلك الأمثلة هي حملة “موفمبر”، والتي تدعو الرجال إلى تغيير مظهرهم بإطلاق شواربهم خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
كان الهدف من الحملة هو توعية الرجال بمسائل صحية مثل بعض أمراض السرطان، أو الأمراض الذهنية كالزهايمر والخرف.
وهناك مثال آخر لحملة انطلقت أوائل هذا الصيف، وتبادلت فيها آلاف النساء صورهن من دون مساحيق التجميل أو المكياج، بما فيهن عدد من المشاهير.
كان الهدف هو جمع التبرعات من أجل دعم أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، حيث جُمع ثمانية ملايين جنيه استرليني خلال ستة أيام.
ومن بين الأهداف التي ترمي إليها مثل هذه الحملات هو التعرف على المعايير الاجتماعية المقبولة فيما يتعلق بمستويات الجمال والجاذبية في المجتمع.
لكن الكثير من الناس لا يبدو مظهرهم مقبولاً بعد سكب دلو من الثلج فوق رؤوسهم. ولعل هذا هو السبب الذي جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يرفض المشاركة في تحدي دلو الثلج، رغم تبرعه للحملة.
وحسب مجلة “ديلي دوت” الإلكترونية فإن الساسة الكبار يتجنبون الظهور أمام الجمهور بملابس غير معتادة، أو ارتداء أشياء فوق رؤوسهم قد تثير السخرية.
قد تكون هذه الحملات نرجسية فعلاً، لكنها تلامس ما هو سائد بالفعل من مفاهيم عن الصورة التي ينبغي أن نظهر بها أمام الآخرين.
استعراض صديق للبيئة
هذه الحملات النرجسية لا تعود بالفائدة على الجمعيات الخيرية وحملات التبرعات فحسب، فقد نشر ت قبل شهور دراسة أعدها كل من إيمان نادري وديفيد ستراتون ، وخلصت إلى أن الميل للنرجسية قد يؤدي إلى زيادة مبيعات المنتجات التي توصف بأنها صديقة للبيئة.
إذ يميل النرجسيون إلى شراء هذه المنتجات عندما تكون هناك فرصة لكي يراهم الآخرون ويقدرون أفعالهم. هذا دليل على صحة الفكرة التي تشير إلى أننا نتصرف بطريقة أفضل عندما يرانا الآخرون.
مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة هذه الأيام تظهر ذلك بطريقة لم تكن ممكنة من قبل. فالسخاء كان يوماً من الأيام سلوكاً لا يُعرف صاحبه، أو على الأقل لا يُعرف إلا على نطاق محدود.
لكن انتشار الإعلام الاجتماعي أضفى أهمية على فكرة تحدي الثلج منذ اليوم الأول لظهورها. فإذا أردنا أن نقوم بعمل خيري جماعي، فإن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي التواصل عبر الإنترنت.
فقد أثبتت الدراسات أن موقع فيسبوك وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي عززت النرجسية لدى الناس بشكل كبير، لكنها في الوقت ذاته هي الوسائل التي نلجأ إليها عندما نريد مجاملة أصدقائنا وإبداء تعاطفنا معهم.
نحن نتصرف، بطريقة أو بأخرى، كما يتصرف المشاهير على شاشات التليفزيون، أي التبرع بالمال والوقت مقابل كسب المعجبين.
تقول كاثرين لين سكوت، التي تعمل في مجال الدعاية في لندن وقد عملت كثيرا مع عدد من نجوم التليفزيون، إنها في الغالب تحث العملاء على الانضمام إلى مؤسسة خيرية لإضفاء صفات حميدة على صورتهم في نظر الجمهور.
ورغم أن دوافعنا هي الترويج لذواتنا، فإن مشاركتنا تعزز من فرص نجاح هذه الحملات الخيرية. وتقول سكوت: إن تحدي الثلج حقق نجاحاً باهراً في تعزيز صورة القرية العالمية، حيث يستطيع المشاهير والجمهور على حد سواء القيام معا بأمور إيجابية.
الجهل سريع الانتشار
لكن هذا لا يعني أن ثقافة النرجسية خالية من المشاكل. فرغبتك في إظهار نفسك كإنسان نبيل يكره الظلم، ويعطف على الضعفاء تدفعك إلى أن تتبادل مع أصدقائك مقاطع فيديو معينة، ومن شأن ذلك أن يساعد على انتشار معلومات خاطئة قد تحتوي عليها هذه المقاطع.
يقول طالب الدكتوراه ديفيد بانكس في مدونة له: “كثيرون يخوضون في قضايا مثل غياب المساواة، أو يناقشون بأسلوب ضحل قضايا اجتماعية وسياسية معقدة، مما يؤدي إلى انتشار الجهل مثل انتشار الفيروسات.”
إضافة إلى ذلك، قد لا يكون الحكم على قيمة الشخص من خلال شهرته أمراً محموداً، كما يقول الكاتب ديفيد زويغ في كتابه بعنوان “العمل المجهول في عصر الترويج الشخصي”. ويضيف: “احترامنا لأنفسنا يعتمد على تقدير الآخرين لما نقوم به من أعمال خيرة.”
لكن نرجسية العطاء لها أثر ملحوظ، فمن إيجابياتها أيضا الفكرة التي مفادها أننا لا نفعل الخير إلا إذا وجدنا من يحثنا عليه.
وسواء كانت النرجسية شراً لا بد منه، أو سمها كما شئت، فهي لن تتلاشى على الأقل في المستقبل القريب. وطالما كانت واقعاً قائماً، فلماذا لا نسخرها من أجل عالم أفضل؟