بين 25 ديسمبر و7 يناير.. سر اختلاف عيد ميلاد السيد المسيح

بين 25 ديسمبر و7 يناير.. سر اختلاف عيد ميلاد السيد المسيح


اليوم ٧ يناير تحتفل الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، وفى القلب منها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعيد الميلاد المجيد. يختلط الأمر على الناس فيما يتعلق بالاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة، وعيد الميلاد المجيد «الكريسماس- Christmas» لدى الغرب. كذلك كثرت التساؤلات حول التاريخ الحقيقى لعيد الميلاد المجيد: هل هو كما يحتفل به الغرب فى الخامس والعشرين من ديسمبر، أم كما تحتفل به الطوائف الشرقية فى السابع من يناير؟.

يعد الاحتفال برأس السنة الميلادية والموافق ٣١ ديسمبر احتفالًا بنهاية عام وبداية عام جديد، وتحتفل به كل الشعوب بغض النظر عن عقائدهم الدينية. والسؤال المهم محور هذا الموضوع هو الخلاف والاختلاف حول تاريخ عيد الميلاد المجيد: أسبابه، وبدايته، ومن الذى تسبب فى هذا الاختلاف؟ دعونا نسرد الحقائق بلا رتوش وبكل موضوعية.

غلاف الكتاب

بدايةً.. وُلد السيد المسيح فى بيت لحم اليهودية فى سنة ٧٥٣ لتأسيس مدينة روما، كما أعلن المؤرخ ديونسيوس السكينى. و«لحم» كلمة سريانية أصلها «لخم» وتعنى «الخبز»، فتكون الترجمة اللفظية لـ«بيت لحم» هى «بيت الخبز»، وتقع إلى الجنوب من مدينة أورشليم حيث تبعد عنها بنحو ستة أميال. غير أنه فى سنة ٥٣٢م، حين شرع المؤرخ ديونسيوس فى حساب تاريخ ميلاد المسيح من ميلاد المسيح بدلًا من تاريخ تأسيس مدينة روما، حتى يفرق ما بين الأحداث التى تمت قبل الميلاد وبعده.

ومنذ ذلك الحين، قُبل هذا التشريع وصار الجميع يؤرخون به، وأصبح معمولًا به إلى وقتنا الحاضر، بدليل أننا نطلق عليه التقويم المعمول به حاليًا اسم «التقويم الميلادي». إلا أن هذا المؤرخ أخطأ فى حساب تاريخ ميلاد المسيح بمقدار أربع سنوات، مما يجعل التقويم الميلادى المعمول به حاليًا ينقص أربع سنوات عن التقويم الصحيح الذى يجب أن يكون. أى أننا ونحن فى عام ٢٠٢٥ كان يجب أن يكون ٢٠٢٩، والدليل على صحة ما ورد فى إنجيل متى البشير: «أنه ولد المسيح فى بيت لحم اليهودية فى أيام هيرودس الملك». وهيرودس مات فى سنة ٧٥٠ من تأسيس روما، فبالتالى يكون السيد المسيح قد ولد فى ديسمبر سنة ٧٤٩ من تأسيس مدينة روما، وبذلك يتحقق قول الكتاب المقدس على لسان القديس متى البشير. يتضح وجود فرق مقداره أربع سنوات بين التاريخ الذى حدده المؤرخ ديونسيوس والتاريخ الفعلى لولادة السيد المسيح حسب قول الإنجيل وشهادة المؤرخين.

أما عن الاحتفال بعيد الميلاد، فطبقًا لما أوصى به الآباء والرسل المؤمنون، جاء نصه كالتالى: «وتكملوه فى خمسة وعشرين من الشهر التاسع الذى للعبرانيين، الذى هو التاسع والعشرون من الشهر الرابع الذى للمصريين (كيهك). ومن بعد هذا عيد الأبيفانيا أو الغطاس، وتعملوه فى الشهر العاشر الذى للعبرانيين، الذى هو الحادى عشر من الشهر الخامس الذى للمصريين (طوبة)».

وعن جذور الاختلاف.. ففى حقيقة الأمر، كان العالم المسيحى كله، فى الشرق والغرب على حد سواء، قبل القرن السادس عشر، وبالتحديد قبل عام ١٥٨٢م، يحتفل بيوم عيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر، الذى كان يقابل عند الأقباط الأرثوذكس ٢٩ كيهك. إلا أن بداية الاختلاف كانت فى عام ١٥٨٢م – كما ورد فى كتاب «عيد الميلاد المجيد» للباحث أقلاديوس إبراهيم، وقدم لها نيافة الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان، وادى النطرون – عندما قام البابا غريغوريوس الثالث عشر البابا الرومانى، بإدخال بعض الإصلاحات على التقويم المعمول به وقتئذ وهو التقويم اليوليانى، بإضافة عشرة أيام عليه بدعوى أن التقويم السارى فى ذلك الوقت كان تقويمًا خاطئًا حسابه ويجب إصلاحه، مما أسفر عن وجود هذا الخلل فى التقويم نتيجة تلك الإصلاحات المزعومة.

وبالتالى، أسفر هذا التغيير أيضًا عن الاختلاف مع التقويم القبطى، والتقويم المصرى القديم، كما يتضح فى كتاب «الجغرافيا الفلكية للكتاب المقدس». بدأ العمل بالتقويم القبطى فى عام ٢٨٤م، أى السنة الأولى للشهداء التى أوقعها دقلديانوس على المسيحيين عمومًا، وعلى أقباط مصر بوجه خاص. لذلك، سُمِّى التقويم القبطى بتقويم الشهداء. وعلى الرغم من أن الطاغية لم يبدأ اضطهاده للمسيحيين إلا فى عام ٣٠٣م، إلا أن الكنيسة القبطية اتخذت بداية تولى هذا الطاغية عرش الإمبراطورية سنة ٢٨٤م نقطة بداية لتقويمها المعروف بتقويم الشهداء، نظرًا لفظاعة اضطهاداته للأقباط.

يرجع التقويم القبطى المعمول به حاليًا فى الكنيسة الأرثوذكسية فى أساسه إلى التقويم المصرى النجمى القديم الذى كان معروفًا فى العالم منذ ٤٢٤١ ق.م. وكان أول من وضعه هو العلامة توت، رب العلم ومخترع الكتابة عند قدماء المصريين، لذلك أطلق اسمه على أول شهور السنة القبطية «توت». ولهذا كان التقويم القبطى امتدادًا للتقويم المصرى القديم وليس غيره، ويُلحق الحرف «ش» به.

فى التقويم القبطى، نجد نوعين من السنوات: سنوات كبيسة وسنوات بسيطة. ولكن يُراعى فى ممارسة الطقوس الاحتفالية بعيد الميلاد أنه إذا جاء الاحتفال به يوم ٢٨ كيهك كما فى السنة الكبيسة، لا يُلغى الاحتفال به أيضًا يوم ٢٩ كيهك، وهو اليوم الذى نصت عليه التعاليم الرسولية والآباء. ففى عام ١٩٩٢م مثلًا، وقع عيد الميلاد يوم ٢٨ كيهك الذى صادف يوم ٧ يناير، بينما يوم ٢٩ كيهك يقابل ٨ يناير، وهنا يُحتفل بالعيد فى اليومين معًا، ٢٨ و٢٩ كيهك، أى يومى ٧ و٨ يناير. على الرغم من ذلك، نجد أن عيد الغطاس يقع دائمًا يوم ١١ طوبة ولا يتأثر بنوع السنة سواء كانت كبيسة أو بسيطة.

أما نحن الأقباط الأرثوذكس، وإن كنا نُحصى ضمن الطوائف الشرقية، إلا أننا نحتفل بذلك اليوم طبقًا للتقويم القبطى القديم فى اليوم التاسع والعشرين من شهر كيهك، الذى يصادف اليوم السابع من يناير.

أما التقويم الجريجورى الذى يُنسب إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر، فقد بدأ العمل به من سنة ١٥٨٢، وهو السبب الأساسى فى إيجاد الفروق والاختلافات. الأمر أدى إلى عدم توحيد يوم الاحتفال بعيد الميلاد بين الكنائس الشرقية والكنائس الغربية. فبمقتضى هذا التعديل، قام البابا غريغوريوس بنقل جميع الأعياد، ومنها عيد الميلاد، من التقويم اليوليانى إلى التقويم الجريجورى. فأصبحت الكنائس الغربية تحتفل بعيد الميلاد فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام، بينما تحتفل به الكنائس الشرقية فى السابع من يناير.

ولما كان التقويم اليوليانى هو المعمول به وقتئذ، وباعتباره تقويمًا نجميًا وُضع مطابقًا للتقويم المصرى القديم ومدته ٣٦٥ يومًا وست ساعات، وهنا يجب ألا ننسى أن هذا التقويم، الذى ظل معمولًا به فى جميع العالم حتى القرن السادس عشر، هو تقويم نجمى طبقًا للإصلاحات التى أدخلها عليه العالم الفلكى المصرى سوسيجينوس، وليس تقويمًا شمسيًا كما اعتقد البعض خطأً مما دفعهم إلى إجراء الإصلاحات عليه.

اعتقد فلكيو البابا غريغوريوس اعتقادًا خاطئًا أن التقويم اليوليانى هو تقويم شمسى، وقالوا إن التقويم الشمسى المضبوط هو الذى تتم فيه دورة الأرض حول الشمس مرة واحدة كل ٣٦٥ يومًا و٥ ساعات و٤٨ دقيقة و٤٦ ثانية. ولكن الذى حدث أن فلكيى البابا غريغوريوس عندما أرادوا إصلاح التقويم اليوليانى قاموا بحساب هذه الفروق اعتبارًا من سنة ٣٢٥م، وهى السنة التى انعقد فيها مجمع نيقية المسكونى الأول، الذى تقرر فيه تفويض بابا الإسكندرية تحديد عيد الفصح المسيحى وجعله بعد عيد الفصح اليهودى وإبلاغه لكافة الكنائس فى العالم.

وهنا تدخل البابا غريغوريوس الثالث عشر، فأجرى التغيير فى السنة اليوليانية اعتبارًا من هذه السنة، ربما لأغراض قصد بها التعتيم على دور بابا الإسكندرية فى تحديد مواعيد الأعياد وإبلاغها للكنائس، ومنها كنيسة روما، وربما لأغراض سياسية أيضًا. وفى الوقت الذى كان يجب فيه على فلكيى البابا الرومانى أن يجروا الإصلاح المزعوم على التقويم اليوليانى ابتداءً من وقت العمل به سنة ٤٦ ق.م، أجروا إصلاحاتهم على التقويم ليبدأ حساب الفروق بين التقويمين ابتداءً من سنة ٣٢٥م وليس من سنة ٤٦ ق.م.

وكانت النتيجة أن تجمعت الفروق بين التقويمين على مدى الفترة الزمنية، فوجدت أنها عشرة أيام، أى نام الناس مساء ٤ أكتوبر ١٥٨٢م واستيقظوا صباح اليوم التالى ليجدوا أنفسهم فى ١٥ أكتوبر ١٥٨٢م بدلًا من ٥ أكتوبر، بمعنى أن السنة تقدمت للأمام عشرة أيام. وبحسب ما جاء فى «كتاب شرح حساب الكنيسة القبطية»: مع مضى الزمن زادت هذه المدة حتى وصلت الآن إلى ١٣ يومًا، أى بزيادة قدرها ثلاثة أيام، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن التقويم الجريجورى لا يعتبر كل السنين المئوية سنين كبيسة.

على الرغم من تقدم السنة عشرة أيام للأمام، لم يتحرك موعد الاحتفال بعيد الميلاد من مكانه، بل ظل يُحتفل به فى موعده، ٢٥ ديسمبر. ونتيجة لهذا الوضع، أصبح ٢٥ ديسمبر ١٥٨٢ حسب التعديل الجريجورى يقابله ٤ يناير (اليوليانى الأصلى). ومع الزمن ارتفعت هذه الفروق بين التقويمين بمقدار ثلاثة أيام أخرى، مما جعل ٢٥ ديسمبر يقابل ٧ يناير فى الوقت الحاضر. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، سيقع الاحتفال بعيد الميلاد فى ٨ يناير، وبعدها بـ١٢٨ سنة سيكون فى ٩ يناير.

أصبح الغربيون بذلك يتبعون التقويم الجريجورى الشمسى، بينما يتبع الشرقيون التقويم اليوليانى النجمى المستمد من التقويم المصرى القديم. وقد اتبعت البلاد الكاثوليكية التابعة لكرسى بابا روما التقويم الجريجورى، وطبقته بريطانيا ومستعمراتها، كما استخدمه اليونان والروس والموارنة والسريان والكلدان والروم الكاثوليك والأرمن.

يبدى الكثيرون رغبتهم فى توحيد تاريخ عيد الميلاد المجيد فى كافة الكنائس المسيحية حتى يظهر شيء من الاتفاق والوحدة بين هذه الكنائس. لذا، لابد من العودة إلى ما قبل القرن الـ١٦، أى إلى التقويم اليوليانى النجمى الذى كان متبعًا فى العالم كله قبل القرن السادس عشر، وبالتحديد قبل ١٥٨٢. من هنا، يتقابل ٢٥ ديسمبر الجريجورى مع ٢٥ ديسمبر اليوليانى ومع ٢٩ كيهك القبطى.

أما بالنسبة للأقباط الأرثوذكس، فيحتفلون بعيد الميلاد فى ٢٩ كيهك، وهو الشهر الرابع للمصريين حسب ما جاء فى تعاليم الآباء الرسل (الدسقولية)، ولا علاقة للاختلاف بين التقويمين اليوليانى والجريجورى بهذا الاحتفال.

قد يبدو التغيير سهل التطبيق مثلما حدث فى ١٥٨٢، لكنه عمليًا أمر صعب، لأنه سيسبب ارتباكًا شديدًا سواء على المستوى المدنى أو المستوى الكنسى فى ترتيب الأعياد والقراءات الكنسية.




Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *