الشيخ شعيشع أول مقرئ مصري بـ«الأقصى» ولأجله أضرب سجناء عراقيون
أنجبت مصر الكثير من الشيوخ الذين يتمتعون بصوت شجي عذب وإمكانيات كبيرة في تلاوة القرآن الكريم واتقان لأحكام التجويد والتلاوة، فكما يقال «القرآن نزل في مكة وكتب بالعراق وقرئ في مصر»، فأشهر مقرئي العالم من مصر.
وكان من بين هذه النخبة الجليلة من صفوة القرآن الكريم الشيخ الراحل «أبو العينين شعيشع» فهو من مواليد مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ شمال مصر، ولد عام 1922 ولحق في سن مبكر بكتاب القرية وأتم حفظ القرآن الكريم وهو بعمر 12 عامًا، وذاع صيته صبيًا من خلال حفل أقيم بمدينة المنصورة عام 1936.
وجاء الشيخ أبو العينين إلى القاهرة عام 1939، وأقام في حي العباسية، ثم تزوج من جارته السيدة «حسنات هانم آمين عبدالوهاب»، وأنجب منها «محمد حسام الدين ومحمود ومنى».
تأثر الشيخ أبو العينين بالشيخ «محمد رفعت» وكان على علاقة قوية به، وكان الشيخ محمد رفعت يقول له دائمًا إنه يرى فيه شبابه وحبه للقرآن الكريم. وكان الشيخ أبو العينين أبرع من استطاع تقليد صوت الشيخ محمد رفعت، ولذلك استعانت به الإذاعة لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات محمد رفعت وفعل ذلك حبًا له وبدون أجر.
وكان يطلق عليه «ملك الصبا» وهو مقام الحزن والشجن، فصوته يرفع المستمع إلى السماء ويضعه برفق على أعتاب الجنة، ورغم الكثير من الألقاب التي لقب بها إلا أنه كان يفضل دائمًا أن يلقب بخادم القرآن الكريم.
وفي حديثها لـ«بوابة أخبار اليوم»، تقول السيدة «منى» ابنة الشيخ أبو العينين: إن والدها لم يجبر أحد من أبنائه على اتجاه ديني معين وترك لهم الحرية الكاملة في حدود الأدب والاحترام، فقد عاش حياته بوسطية واعتدال فلا هو فقيه متزمت ولا هو خارج عن عرف البشر.
وتروي عن والدها فتقول: «الشيخ أو العينين كان يتمتع بشخصية مرحة، ويعشق العزف على العود، والموسيقار رياض السنباطي هو من علمه العزف عليه، كما كان يحب الغناء ويحب سماع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب».
وتستطرد بقولها: «الشيخ أبو العينين كان يحب السفر وقام بزيارة الكثير من دول العالم، وهو أول مقرئ يُدعى للبلاد العربية والأوروبية بدعوة خاصة».
وتحدثت السيدة منى عن إحدى النوادر التي لم ينساها الشيخ أبو العينين: وهي دخوله السجن بطلب منه، فذات مرة كان يقرأ في بغداد قبل ثورة العراق وسمع المعتقلون السياسيون صوته من خلال الراديو في السجن، فطالبوا بسماعه في حفلة خاصة لهم.ولم يوافق المسئولون في ذلك الوقت، فأضرب المعتقلون عن الطعام، وعندما سمع الشيخ هذا النبأ صمم ألا يكمل بقية أيامه في العراق إن لم يسمح له بقراءة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم في سجن المعتقلين.
وأخيرًا وبعد محاولات عديدة سمحوا له بالقراءة في السجن، وانتهى إضراب المعتقلين، واستمرت القراءة ساعتين كاملتين، وبعدها أهداه المسجونين هدية فاخرة عبارة عن سجادة عجمي مرسوم عليها خريطة العراق وممضي عليها من المسجونين.
وتحدث أيضًا الشيخ «محمد عوض اليماني» نجل ابنة شقيقة الشيخ أبو العينين عن إحدى نوادر الشيخ قائلاً: إن الشيخ أبو العينين يعتبر أول قارئ قرآن من مصر يقرأ القرآن في المسجد الأقصى وكانت لهذه الزيارة قصة طريفة، فالشيخ أبو العينين يعد رقم 12 في إخوته وكان له أخ أكبر وهو الشيخ «أحمد شعيشع» وكان قارئ للقرآن أيضًا وعندما لمس في الشيخ أبو العينين موهبة وحب قراءة القرآن فأثره على نفسه.
فظهر الشيخ أبو العينين وسمعه الملك فاروق وأصر أن يذهب معه في زيارة للمسجد الأقصى، ولكن شقيقة الشيخ كانت مريضة وفي وعكة صحية كبيرة ولا يريد أن يتركها، فاتصل به الملك فاروق من القدس على تليفون المستشفى التي ترقد فيها شقيقته يطلب منه ضرورة الحضور إلى المسجد الأقصى وبالفعل أمتثل الشيخ لطلب الملك فاروق وسافر إلى القدس.
وتحدث الشيخ محمد اليماني عن موقف آخر تعرض له الشيخ أبو العينين وقال: كانت بداية الإذاعة المصرية عام 1937 وكان يقرأ بها الشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، والشيخ أبو العينين التحق بالإذاعة عام 1939 وكان عمره 17 عامًا.
وبعد سنوات انضم للإذاعة الشيخ مصطفى إسماعيل ولكبر سنه قامت الإذاعة بإعطائه أجرًا أعلى من الشيخ أبو العينين، فالشيخ أبو العينين كان أصغر منه في السن.
وشعر الشيخ أبو العينين بشيء من الظلم فهو أقدم من الشيخ مصطفى إسماعيل في الإذاعة، فتدخلت في ذلك الوقت السيدة أم كلثوم وطالبت بالتساوي في الأجر بينهما وتم ذلك بالفعل.
وتحدث أيضًا الشيح محمد اليماني عن وسطية الشيخ أبو العينين وإنه ظهر على الشاشة في 6 أفلام سينمائية عن طريق صديقه المخرج حسن الإمام، وكان من أشهر هذه الأفلام فيلم «النائب العام» ظهر في دور طالب أزهري، وفيلم «ابن عنتر» قام بدور فتى من قبيلة تعادي قبيلة أخرى وتم الصلح على يديه بعد أن قام بقراءة آيتين من القرآن.
كان يتميز الشيخ أبو العينين بأنه الشيخ الوحيد الذي كان يرتدي طربوش مع الجبة، ومن المواقف الطريفة أيضًا التي تعرض لها، عندما كان ذاهبًا في أحد الأيام إلى طنطا لتلاوة القرآن بأحد المآتم وكان معه شقيقه وتعطلت السيارة قبل وصولهم بحوالي 10 كيلو مترات.
ووقتها اضطروا للسير على الأقدام، وفي منطقة مهجورة خرجت عصابة من قطاع الطرق وطلبوا ما معهما من نقود تحت تهديد السلاح، فقام شقيق الشيخ أبو العينين يعرفهم بأنه الشيخ الجليل فلم يصدقوه.
وكان الشيخ يرتدي فوق الطربوش رداء فكشف لهم عنه وقام بتلاوة جزء من القرآن وعندما تعرفوا عليه أصروا إلى توصيلهما إلى طنطا في حمايتهم، ولولا الطربوش لكان ما كان.
الشيخ أبو العينين هو آخر جيل عمالقة تلاوة القرآن ومؤسس من مؤسسين نقابة القراء، وظل نقيب للقراء من أواخر الثمانينيات حتى وفاته.
وتم تكريمه من معظم دول العالم الإسلامي وحصل على الكثير من الأوسمة والنياشين، منها وسام الاستحقاق من سوريا، ونيشان الرافدين من العراق، وظل يخدم القرآن الكريم لمدة 80 عامًا حتى وفاته في 23 يونيو 2011 عن عمر ناهز 88 عامًا.
وتناشد أسرة الشيخ أبو العينين شعيشع المسئولين بتكريم القاريء الجليل الراحل وإطلاق اسمه على «المعهد الديني الأزهري» بمسقط رأسه بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ وذلك تقديرًا لتاريخه الكبير الحافل بالكثير من العطاء وخدمة القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي.
قد يهمك ايضاً