«عبدالحميد جودة السحار».. بين الكتابة فى التاريخ الإسلامى والإبداع الروائى

«عبدالحميد جودة السحار».. بين الكتابة فى التاريخ الإسلامى والإبداع الروائى


«أم العروسة والحفيد» فيلمان من أكثر الأفلام شعبية وانتشاراً ويعدان من روائع السينما المصرية فى مجال القضايا الاجتماعية والأسرية، ولعل كل من شاهد فيلم أم العروسة يتذكر أبطاله وعلى رأسهم تحية كاريوكا، وعبد المنعم مدبولى والذى أخرجه للسينما المخرج الكبير عاطف سالم، علما بأننا نتذكر أحداث الفيلم وأبطاله الذين ضحكنا معهم، ولا نتذكر مؤلف العمل كاتبنا الكبير عبدالحميد جودة السحار الذى كان يردد دائما أن هذا الفيلم طغت شهرته عليه هو شخصيا كمؤلف لأكبر موسوعة دينية «محمد رسول الله والذين معه» والتى تقع فى ٢٠ جزءا، وقام المخرج أحمد طنطاوى بإخراجها فى مسلسل تليفزيونى شهير أذيع فى ثمانينيات القرن الماضى، وبالرغم من كون السحار أدبيا مميزا، إلا أنه كان أيضا اقتصاديا مرموقا، فقد تولى العديد من المناصب الاقتصادية العامة، كذلك كان رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للسينما والمسرح والموسيقى.

غلاف الكتاب

وقد توفى السحار فى ٢٢ يناير ١٩٧٤، وترك إرثا أدبيا فكريا أثرى به المكتبة العربية، جمع السحار فى كتاباته بين الرواية والقصة والأقصوصة، إضافة إلى كتاباته لأدب الأطفال والرحلات وكتب التراجم الإسلامية، وقصص التاريخ الإسلامى، والدراسات الدينية. بسبب تنوع حقول كتاباته الأدبية والفنية، ولذا نجد البعض ينتقده باعتباره مزدوج الفكر فى قولهم، فهو فى نظرهم يكتب القصة الطويلة وأدب الرحلات بروح الأديب، وهو فى الوقت نفسه يكتب القصة الدينية والبحث الدينى بدافع من نزعة شديدة التدين.

غلاف الكتاب

وهذا الأمر أدى حينما نقرأ أعماله الأدبية بأننا أمام فنان يرسم لوحاته بواقعية وكأنه يعيش حياة الأبطال، وعندما نقرأ أعماله الدينية نعتقد أننا أمام عالم من العلماء تخرج فى جامعة الأزهر.. وهذا ما يتضح عندما نبحر فى مسيرته الأدبية وأعماله ومؤلفاته.

ولد عبدالحميد جودة السحار فى فبراير ١٩١٣ فى القاهرة. وقد نشأ فى أسرة وبيئة متمسكة بالتقاليد والأعراف المصرية الموروثة، وبالتعاليم والسلوك الإسلامى. وكان أبوه يعمل تاجراً وكانت أمه خاضعة للتقاليد والأعراف التى تهتم وتعتنى بشؤون الأسرة. بدأ السحار تعليمه مبكرا، حيث ذهب إلى المدرسة ثم دخل إلى مدرسة سليمان جاويش بالدشطونى، وفيه تعلم القرآن وحفظه، إلى جانب علوم الدين الأخرى. وفى المرحلة الثانوية، التحق السحار بالمدرسة الثانوية فؤاد الأول وفيها ازداد اهتمامه بالأدب وممارسة هواياته. هنا نجد أن حبه للأدب وفنونه كان قد بدأ منذ أن كان فى المرحلة الثانوية، إضافة إلى حبه فى ممارسة هوايته ومشاهدة السينما والمسرح فنفع منه انتفاعا كليا. فكان له وقت محدد فى الأسبوع، حيث يقضى وقته فى السينما والمسرح مع إخوته أحمد وسعيد ومحمود، بجانب حبه الشديد فى مشاركة مجلس أبيه والذى سمى المجلس السلاملك، وأولى محاولاته قراءة كتاب الأيام للدكتور طه حسين، وقد تأثر عبدالحميد بأخويه سعيد وأحمد اللذين يعشقان القراءة أيضا. نبغ «سعيد» فأصبح مترجما وناشرا، امتلك «مكتبة مصر بالفجالة» وجعل منها صرحا كبيرا فى عالم صناعة الكتاب، وحصل السحار على بكالوريوس التجارة من جامعة فؤاد الأول عام ١٩٣٧. بدأ نشاطه الأدبى وأسس لجنة النشر لجامعيين، وكان يهدف منه تشجيع الأدباء الجدد فى تأليف وإصدار مؤلفاتهم خصوصا الشباب، وقد نشرت هذه اللجنة القصص والروايات للعديد من الأدباء أمثال عبد الحميد جودة السحار ونجيب محفوظ وعادل كامل ومحمد عبد الحليم عبد الله وعلى أحمد باكثير ومحمود البدوى وأمين يوسف غراب وغيرهم من الأدباء.

بعد تخرجه الجامعى عمل السحار فى العديد من الوظائف التى ساهمت أيضا فى تنوع ثقافته، حيث عمل بعد تخرجه فى مدرسة التجارة كاتبا ومترجما فى سلاح الجوى الملكى بألماظة، وأيضا ائتمن كأمين مخزن الخدمات بالسلاح الجوى الملكى، وهو أيضا يُعد من أحد الرجال المهمين فى مجال الاقتصاد وقد تولى العديد من المناصب الاقتصادية العامة منها مدير الاستيراد والتصدير، ومستشار وزارة التجارة بالسعودية، ومدير قطاع النقل والتجارة بالمؤسسة الاقتصادية، كذلك عمل رئيسا للمجلس أدارة الشركة للتجارة الداخلية، وهو ايضا عضو فى مجلس إدارة المؤسسة الاقتصادية ومدير عام مؤسسة الحراريات ورئيس مجلس إدارتها، إضافة إلى أنه كان رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للسينما والمسرح والموسيقى.

أما بالنسبة لثقافة السحار، فنجد أنه قد تعرض إلى ثقافتين أساسيتين، وهما العربية والإنجليزية الفرنسية. كما عاصر الأديب أهم الأحداث العالمية وهى الحرب العالمية الأولى وهو فى طفولته، والحرب العالمية الثانية وهو فى صباه وشبابه، وهذا من أحد الأسباب فى رفع مستوى الثقافة والأدب عنده. يعد السحار أدبيا مميزا، حيث إنه لم يكن يمارس وظيفته كأديب فحسب وإنما كان اقتصاديا مشهورا رحل إلى كثير من البلدان العالم، حيث تعرف إلى كثير من التقاليد والأعراف للمجتمعات، ومن خلاله تنوعت ثقافاته وآراؤه حول العالم وجذب إليه الخبرات والتجارب فى تأليف العديد من الروايات والقصص والأدب.

بدأ عبد الحميد جودة السحار مشواره الأدبى بكتابة القصص القصيرة من خلال مجلتين بارزتين هما مجلة «الرسالة» التى كان يصدرها المفكر أحمد حسن الزيات، ومجلة «الثقافة» التى كان يصدرها الأستاذ أحمد أمين، ونشر قصته التاريخية الأولى تحت عنوان «أحمس بطل الاستقلال» فى عام ١٩٤٣ وهو فى الحادى والثلاثين من عمره، وكتب بعدها رواية تاريخية بعنوان «أميرة قرطبة»، لينطلق بعد ذلك فى مسيرته الأدبية. وكانت أول محاولة له فى العمل الأدبى هى كتابته لقصة «أحمس بطل الاستقلال» والتى استغرقت عشرين يوما وهو يكتبها فى مكتبه وكان ذلك فى ١٩٤٠. وواصل مسيرته الأدبية، تعد القصص التاريخية أكبر إنجاز فى حياة السحار حيث ألف العديد من القصص حول التاريخ والسيرة خصوصا تاريخ وحضارة الإسلام.. وأعظم أعماله فى هذا المجال هو تأليفه للموسوعة الضخمة عن سيرة النبى محمد متعرضا للحياة التى كانت تسود العالم قبل النبوة والرسالة إلى ما بعد الرسالة والنبوة، وهذه القصة عرفت بـ «محمد رسول الله والذين معه» وهى مكونة من عشرين جزءا، ولم يكتف السحار بإصدار موسوعته الضخمة، بل كتب أيضا: قصة أبى ذر الغفارى، أول قصة إسلامية وتناولها السحار من حيث كشف معالم حياة الرجل ودعوته الاشتراكية التى تنهض أساسا على تعاليم الدين، وكان هذا العمل رد فعل على من يتغنى بأمجاد الاشتراكية اليسارية وما صنعه الغرب من مكاسب ثورية تمثلت فى الحرية والمساواة، وبهذا يعد ممن اكتشفوا أصوله الاشتراكية فى تعاليم الإسلام وأصوله الأولى من خلال هضمه للثقافة الإسلامية فى جوهرها، كما كتب السحار: قصة بلال مؤذن الرسول، وسعد بن أبى وقاص، وأبناء أبى بكر الصديق، وأهل بيت النبى، أميرة قرطبة، المسيح بن مريم، حياة الحسين، وعمر بن عبدالعزيز، وقصص الخلفاء الراشدين. أما روايته الأدبية «أحمس بطل الاستقلال» فصور لنا فيها حياة الجنود وطبيعتهم وفيها أيضا عالج بعض القضايا الاجتماعية المعاصرة، كما كتب: فى قافلة الزمان، الشارع الجديد والنقاب الأزرق، قلعة الأبطال، المستنقع، أم العروسة، وكان المساء والسيقان، وجسر الشيطان، والنصف الآخر، والسهول البيض، والحصاد والحفيد وهى القصة الأخيرة له فى مجال الرواية الاجتماعية، بالإضافة إلى القصص القصيرة مثل: فى الوظيفة، همزات الشياطين، قصص من الكتب المقدسة، وصدى السنين، وأرملة من فلسطين، وليلة عاصفة، أما خفقات قلب، وصور وذكريات، وكشك الموسيقى صدرت فى ١٩٨١، أى بعد وفاته.

نظر السحار إلى أدب الأطفال باهتمام شديد خصوصا فيما يتعلق بقصص الأطفال الدينية نظراً لأهميتها التربوية والتهذيبية لجيل المستقبل وبناء شخصية إسلامية فى نفس الطفل، ففى هذا المجال أصدر السحار أربع حلقات من قصص الأطفال: حلقة من قصص الأنبياء، وقصص السيرة النبوية بدءا من هاشم بن عبد مناف إلى وفاة الرسول، قصص الخلفاء الراشدين، وقصص حياة العرب فى أوروبا إلى آخر أيامهم فى الأندلس. وناقش السحار فى دراساته الإسلامية والفكرية عددا من القضايا والأفكار ففى كتاب «وعد الله وإسرائيل» تناول حياة اليهود ودسائسهم ومؤتمراتهم ومؤامرتهم ضد العرب والمسلمين وأطماعهم التوسعية القائمة على دعاوى باطلة فى إثبات شريعة تواجدهم فى فلسطين.

ترك لنا السحار ملامح حياته، حيث ألف بعض الكتب التى تدور حول حياته، وهذه الكتب تعد وثيقة تاريخية تسجيلية، وهى: هذه حياتى، والقصة من خلال تجاربى الذاتية، وذكريات سينمائية، ويروى فيها جانب ضمه مواقف حياته التى تتصل بالزمن، حيث شارك وعاش فى رحاب السينما ككاتب ومنتج.




Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *