أدب صالح مرسي المخابراتي في رسالة ماجستير بمعهد النقد الفني بأكاديمية الفنون
شهدت قاعة ثروت عكاشة بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الباحث ياسر أحمد على السيد الغُبيري للحصول على درجة الماجستير في النقد الفني، تخصص النقد الأدبي، وعنوانها «وظائف السارد وتكوين الشخصية في الرواية المخابراتية.. صالح مرسي نموذجًا».وتكونت لجنة المناقشة والحكم من الأستاذ الدكتور علاء الدين فتحي الجابري، أستاذ الأدب الحديث، رئيس قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة السويس.. مناقشا من الخارج ومقررا.والأستاذ الدكتور حمدي إبراهيم النورج، أستاذ النقد الأدبي وتحليل الخطاب، بالمعهد العالي للنقد الفني، أكاديمية الفنون.. مناقشا من الخارج.والأستاذ الدكتور شوكت نبيل المصري، أستاذ النقد الأدبي الحديث، المعهد العالي للنقد الفني، أكاديمية الفنون.. مشرفا.
تكونت الرسالة من ثلاثة فصول، فصل نظري وفصلين تطبيقيين، قدّم الباحث في الفصل الأول (النظري) تعريفًا بفن الرواية بشكل عام، ودورها في التوثيق والعرض للتجارب الإنسانية على اختلافها، ويُقدِّم عرضًا لنشأة الرواية المخابراتية في العالم وأبرز روادها وإسهاماتهم في هذا الحقل الأدبي، ويرصد الإسهامات الأدبية في حقل الرواية المخابراتية المصرية ما قبل الأديب المؤسس صالح مرسي، كما رصد نشأة الرواية المخابراتية على يد الأديب صالح مرسي، واستعرض نشأة وحياة صالح مرسي وأهم أعماله الروائية بشكل عام، والمخابراتية بشكل خاص، وقدّم نُبذةً مختصرةً عن الروايات محل الدراسة والبحث وهم «رأفت الهجان، دموع في عيون وقحة، الحفار، سامية فهمي، قاتلة باردة الأعصاب»، كما استعرض تاريخ نشأة الجاسوسية حول العالم، وعرض لأوجه التشابه والاختلاف بين كل من الرواية المخابراتية والروايتين البوليسية والتاريخية، كما عرض لقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وقدّم ثبتًا لأهم المصطلحات التي وردت في الأعمال الأدبية محل الدراسة، واختتم الفصل بالإطار النظري.
أما الفصلان التطبيقيان، فتناول الفصل الأول وهو (الثاني في الرسالة) تعريفًا بالسارد، ودراسة تقنيات ظهوره ووظائفه، وتحديد مدى تحقق الوظائف المختلفة للسارد وفقًا لتموضعاته المُتنوعة، وفق تقسيمات جيرار جينت لتموضعات السارد التي قسَّمها إلى (سارد مُحلل للأحداث من الداخل – وسارد مُراقب للأحداث من الخارج)، وكذا تقسيمات جان بويون وفقًا لدرجة عِلم السارد، وهم (سارد أكبر من الشخصية، وسارد مساوٍ للشخصية، وسارد أقل من الشخصية)، أما الفصل التطبيقي الثاني، وهو (الثالث في الرسالة)، فقدِّم تعريفًا بالشخصية كونَها جزءًا أصيلًا من البناء السردي، فلا سردَ ولا روايةَ بدون شخصيات، كما تناول الفصل التطبيقي الثاني رسم السارد وتكوينَه للشخصيات وأبعادها المُختلفة داخلَ الرواياتِ محلِّ الدراسة والبحث، وكذا رصد تأثيرَ هذه الأبعاد الجسدية والاجتماعية والنفسية والفكريةِ على تكوين الشخصيات، وتأثير ذلك التكوين في سلوكياتهم ودوافعهم وأفعالهم وردودِ أفعالهم، التي جعلتْ كلًّا منهم الشخصَ الأنسبَ للمهمة التي أُوكِلت إليه، مثل رأفت الهجان على سبيل المثال، وذلك (دون إغفال ما تلقَّاه هؤلاء الأبطالُ من تدريبات مخابراتية مُكثّفة ليتحولوا من رجال ونساء تقليديين لديهم بعضُ الملَكاتِ الخاصةِ إلى شخصيات فوق العادة).
تكونت عيّنة البحث من خمس روايات مخابراتية، كتبها الأديبُ الراحل صالح مرسي في أوقات قريبة نسبيًا، وهي (الحفار، ورأفت الهجان، ودموع في عيون وقحة، وسامية فهمي، وقاتلة باردة الأعصاب)، وجميعها روايات ترصد بطولات رجال وسيدات مصريين ومصريات، نفَّذوا عملياتٍ مُشرّفةً، وضحوا بأرواحهم لنُصرة بلادِهم، كما قدِّم تأصيلًا للصراع العربي الإسرائيلي في مراحله المُبكرةِ منذ ما قبلَ العام 1948م، وصولًا إلى ما بعد نصر أكتوبر المجيد، عدا روايةِ (قاتلة باردة الأعصاب) التي تتحدث عن عميلة مخابراتية سوفييتية أُرسِلتْ إلى كندا عبرَ بريطانيا، لتنفيذ عملية مخابراتية مُحددةٍ على أرض كندا، لصالح بلادها، التي تناولها البحث لأول مرة في دراسة أكاديمية.
توصَّل الباحثُ إلى عدد من النتائج وجاءت على الشكل التالي:أولًا: اضطلع السارد في روايات صالح مرسي المخابراتية بمجموعة من الوظائف التي لم تَعرِض لها أو تُقدّمها أيٌّ من المدارس النقدية سابقًا التي برزت – ورصدها الباحثُ- بسبب طبيعة الروايات وخصوصية موضوعاتها والقضايا التي تُناقشها، ولعل أبرزَها وأهمَّها وظائفُ (ترسيخِ أنماط الهُوية الوطنية، وتعزيز روح التضحية والفداء، والتحذير من خطر الجاسوسية والتجنيد لصالح العدو، وإبراز الدور الوطني لرجال المُخابرات المصرية، والتأصيل لقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وتقديمها للأجيال المُختلفة عن طريق الروايات محلِّ الدراسة لتكون مرجعًا أدبيًا وتاريخيًا ورصدًا لطبيعة الصراع في فترة زمنية مهمةٍ وحسَّاسة من عمر الوطن، والإسهام في إعداد جيل من الشباب على قدْرٍ من العِلم والوعي والحَذَر من مكائدِ ودسائسِ العدو التاريخي، ليكون متأهِّبًا ومُستعدًا لمواجهته على الدوام.
ثانيًا: وظائف الساردفي رواية الحفار، غلب على وظائف السارد الوظيفةُ التحليليةُ والوظيفة التوثيقية والوظيفة الاستفهامية، وكانت الوظيفة السردية الإخبارية هي الوظيفة الرئيسة التي تداخلتْ مع وظائف السارد كافةً. وفي رواية رأفت الهجان، اضطلع الساردُ بوظائفِ التفسير والتحليل، والاستفهام والتعليم طوال العملية السردية، وارتبطت هذه الوظائف بالسارد العليم المُحلِّل للأحداث من الداخل والمُعقّب عليها.
وفي رواية دموع في عيون وقحة، اضطلع الساردُ بعدد من الوظائف خلال تموضعه، (ساردًا كلّي المعرفة مراقبًا من الداخل) وهي التقنية الوحيدة التي اضطلع بها السارد في الرواية. وفي رواية سامية فهمي، اضطلع الساردُ خلال تموضعه كونه ساردًا كلّيَّ المعرفةِ بالوظيفة السردية الإخبارية، ونظرًا لإسهابه في سَرْد الأحداث تقلَّص ظهورُ الوظائف السردية الأخرى بوضوح. أما في رواية قاتلة باردة الأعصاب، اتخذ الساردُ وضعية السارد كلّي المعرفة المحللِ للأحداث من الداخل منذ بداية العملية السردية.
ثالثًا: تكوين الشخصية وجد الباحثُ أنَّ الكاتب صَوَّرَ شخوصَ رواياته ورَسَمَ أبعادَها المختلفةَ بطريقةٍ جعلت الشخصياتِ تبدو للقارئ وكأنها شخصياتٌ حيةٌ وليست شخصياتٍ روائيةً على الورق. كما وجد الباحثُ أنَّ شخصية المرأة كانت حاضرةً مقارنةً بشخصية الرجل في روايات صالح مرسي المخابراتية، ورسم الساردُ أبعادَها معتمدًا على التقنيات السابقة، وكان لها في العمل الوطني مثل ما للرجل، وقدّمها السارد بصورة تؤكد براعتَها وتفوُّقَها.كما ركّز الساردُ على أدق التفاصيل الداخلية التي تُؤرق شخصياتِ الروايات، وتلك التفاصيل التي أبرزت ميول واهتمامات ولحظات تحول الشخصيات، كما اهتمَّ الساردُ في تقنية التعميق بإبراز حجم التهديدات أو المُغريات التي واجهتها شخوصُ رواياتِه، ورغم هذه التحديات؛ فإنهم انحازوا إلى الوطن، وقدَّموه على كل المُغريات.ووجد الباحثُ أنَّ المؤلف (صالح مرسي) ظهر أكثرَ من مرة خلال العملية السردية بصوته لتأكيد بعض المواقف، أو توضيح بعض التفاصيل التي عاصرها أو كان شاهدًا عليها، وأخيرًا قدَّم المؤلفُ شخصياتِ رواياتِه، لا سيما الشخصيات الوطنية كونها نَموذجًا يُحتذى به وقدوة للشباب، لتحفيز الجانب الوطني لديهم، كما تناول العملياتِ المخابراتيةَ التي جاءت في الروايات محلِّ الدراسة والبحثِ بطريقة تكشف عن حجم تضحيات وجَهد الرجال الذين يُعرِّضون حياتَهم لخطر داهم ودائم، ويبذلون أرواحهم للدفاع عن الأمة، والزَّوْدِ عن الوطن، والحفاظ على المقدرات والأرواح والتصدي لعدو متربِّص وصدِّ أطماعه التوسعية، وإفشال مخططاته التخريبية.وبعد المناقشة العلنية قررت لجنة المناقشة والحكم منح الباحث ياسر الغبيري درجة الماجستير في النقد الفني تخصص نقد أدبي بتقدير ممتاز.