الروائى والناقد العراقى حسن الموسوى يكتب: وتستمر الحياة فى رواية «المتشابهون» للروائى المصرى أحمد طايل

الروائى والناقد العراقى حسن الموسوى يكتب: وتستمر الحياة فى رواية «المتشابهون» للروائى المصرى أحمد طايل


يبدأ السرد من معاناة البطل من جفاء النوم، وهذا الشعور يحدث ويتفاقم عندما تستولى الهموم على حياة الإنسان بحيث تجعله يفقد القدرة على التفكير وإصابته بحالة من الإحباط.

العنوان هو العتبة النصية الأولى، وهو المدخل الذى من خلاله نلج إلى المتن السردى.

يشير بسام قطوس إلى أن العنوان هو سمة العمل الفنى أو الأدبى الأول، من حيث إنه يضع النص الواسع فى حالة اختزال ويختزن فى بنيته أو دلالته أو كليهما فى آن واحد.

والعنوان هنا يتكون من كلمة واحدة وجاءت على صيغة الجمع ومعرفة بأداء التعريف.

الغلاف هو العتبة النصية الثانية، ويظهر فيه أناس وهم يسيرون على طريق واحد ويراد به استمرارية الحياة وديمومتها، فيما نظرهم للأمام فى إشارة إلى تطلعهم إلى المستقبل.

أما أجسامهم فقد بدت كالظل فى إشارة إلى الحالة الضبابية.

المقدمة هى العتبة النصية الثالثة، حيث يقول الكاتب فى مقدمته (يخلق من الشبه أربعين، جملة تتردد دوما بكثير من الأمور الحياتية، الغالب الأعم يقولها بشكل أقرب للعبثية، غير قانع أنها حقيقية، بالفعل لكل منا من يشبهه، ملامح، روحا، فكرا، فليبحث كل منا عن المتشابهين معه ليستأنس بهم). والتشابه ليس بالضرورة بالملامح فقط، ولكن فى كثير من الأحيان يكون التشابه فى السلوك والتصرفات وحتى على مستوى التفكير.

الرواية اجتماعية والرواية الاجتماعية هى رواية تناقش عبر شخصياتها المشاكل السائدة فى المجتمع وتسلط الضوء على العلاقات بين الأفراد والغاية منها هى حل المشاكل الاجتماعية ومن خصائها أن الكاتب يسهب فى ذكر الشخصيات والأحداث ولا يستثنى شيئا، كذلك يقوم الكاتب بالتنقل فى جغرافية المكان والأسماء، فالرواية متخمة بالشخصيات والأمكنة والأحداث.

أحمد طايل

يقول الروائى الأمريكى أرنست همنجواى (من أجل الكتابة عن الحياة فيجب أن نعيشها أولا). يتحدث الكاتب فى هذه الرواية عن الحفاظ على تقاليد الأسرة وعدم الانجرار إلى الحداثة التى ابتلعت كل شىء، حيث يقول الكاتب (كان صغيرا يجلس بين الصغار الأكبر منه أو الأصغر منه يشاهدون المشهد اليومى، الأب والأعمام كل منهم يستجيب لنظرة الجد، يرفعون الآنية إلى أفواههم، يرى من يتجزع ومن يمتعض ومن يتلذذ ومن يغمض عينيه هربا من هذا) ص ٤٠.

يستعرض الكاتب صورًا حسية من المجتمع، فهو من هذه البيئة التى ترعرع فيها وتعايش معها وتتداخل الأصوات الذاتية مع الحالة النفسية السائدة.

يقول بارت (نحن لا نجد فى أى مكان من العالم شعبا بلا قصص، فلكل جماعة إنسانية قصصها التى غالبا ما يتذوقها أناس تتفاوت، بل وتتعارض مستوياتهم الثقافية).

يتحدث الكاتب عن القيم الاجتماعية السائدة فى المجتمع المصرى بوجه خاص وفى بقية المجتمعات العربية على وجه العموم ومدى التمسك بها مثل آداب الطعام والحرص على أن يكون الجميع حول مائدة الطعام فى إشارة إلى التماسك الأسرى، وعدم البدء بتناول الطعام إلا بعد أن يأذن لهم كبير العائلة، وأهم شىء هو شكر الله على هذه النعمة، حيث يقول الكاتب (الجميع ينتظر أن يرفع كميةويمد يده، يتناول أولى لقيمات الطعام وهو يرفع صوته بالحمد لله حتى يقتدون به) ص ٥١.

يتطرق الكاتب إلى مسألة فى غاية الأهمية تتمثل فى الطرق الخبيثة لتهديم المجتمعات، حيث يقول (إهدم الأسرة بتغييب دور الأم، بجعلها تخجل من وصفها ربة بيت واهدم المعلم بألا تجعل له أهمية فى المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره تلاميذه وطلابه وأهدم وأسقط القدوات والمثل والرموز الدينية) ص ٩٨.

وهذه الأمور عمل وما يزال يعمل عليها الاستعمار فى بلداننا العربية بعد أن فوجئوا بتماسك الأسرة واحترامها لرموزها الدينية، لذلك عمدوا إلى كسر هذه الأواصر الاجتماعية المتجذرة فى حياتنا، والغاية من هذه الأعمال هى تسهيل مهمة استعمار الدول بغية نهب وسرقة ثروات ومقدرات البلدان المستعمرة.

غلاف الكتاب

من الأمور المهمة التى تطرق إليها الكاتب هى مسألة الحصول على تقرير من الطب الشرعى لحالة عذرية الابنة المطلقة، والتى لم يستطع زوجها من الدخول بها فى ليلة الزواج، وكما هو معروف فإن هذه الحالة تمثل ثقافة وهوية البلد الإسلامى بعيدا عن حالة الضياع التى تمزق بلدان الغرب التى لا تضع أهمية لعذرية الفتاة ولا حتى الاعتراف بالأبناء فى حالة مقززة لما تعانى منه المجتمعات الغربية من انحلال أخلاقى وتفكك أسرى، حيث يقول الكاتب (أتوا إليها بالتقرير، قرأته الطبيبة عليها، أتى بالتقرير ألا أحد اقترب منها مطلقا وأنها كاملة العذرية وأن غشاء البكارة لم يتعرض لأى من محاولات الإيلاج) ص ١٣٤. ولعل الزوج كان مصابا بداء الوهم، والوهم كما يعرفه الفلاسفة هو حالة عقلية مضطربة، وهو سوء تقدير للشعور الحقيقى. وكما هو معروف فإن من طبيعة الإنسان محاولة الخروج من أى مأزق قد يواجهه فى مسيرته فى الحياة والبحث عن الأمان بعيدا عن المخاطر. وكل حالات الوهم هى اتجاه ذهنى يخشاه الفرد ويرافق الوهم انفعالات حسية وعصبية، وهذا ما صوره الكاتب من خلال شخصية الزوج المريض الذى كان مصابا بداء الوهم وقدرته على الزواج رغم مرضه. وهنا استطاعت الفتاة أن تنتصر لنفسها وتنهى علاقة زوجية ولدت ميتة رغم خطورة الوضع، يقول شكسبير (غادر كل من حطم فيك شيئا أو أطفأ بك توهجا واترك من خذلوك، لا تشاركهم حديثا أو مكانا، أعبر بقلبك لمكان آمن ولا تبحث عن سعادتك بالمكان الذى فقدتها فيه).

نجد فى هذه الرواية حلول لمشاكل اجتماعية متجذرة فى المجتمع، يقول سقراط (إن الإنسان الذكى هو الذى يتعلم من كل شىء ومن كل أحد، والإنسان العادى يتعلم من تجاربه، أما الغبى فهو الذى يدعى أنه يعرف كل شىء أحسن من غيره).

يتطرق الكاتب إلى مسائل فلسفية حول الحياة تعكس ما يؤمن به من أفكار، حيث يقول (الحياة خطان، خط يفهمه من يملك البصر والبصيرة حينها يكون متوازنا يقف على أرض صلبة واثق من خطوته محدد الطريق والهدف وآخر من لا يتبين الخيط الأبيض من الأسود) ص ٢٩٤. يقول تشارلز بوكستون (فى الحياة كما فى لعبة الشطرنج.. النظرة البعيدة هى التى تكسب). أسهب الكاتب كثيرا فى تناوله لقضايا المجتمع المصرى، سواء كان فى الريف أو فى المدينة.

بقى أن أشير إلى أن هذه الرواية هى من إصدارات دار نشر سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع / غزة / فلسطين وتتكون من ٢٩٩ صفحة ومن القطع المتوسط.




Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *