نسرين سليمان تكتب: خبرات دولية فى مجال تنظيم مهنة الوكيل الأدبى
كل مجال مهنى فى عصرنا يحتاج إلى أن يؤسس على قواعد ثابتة تشمل: معايير، كيانات، أنظمة واضحة، بالإضافة إلى أدلة إرشادية وبرامج تعليمية من أجل الارتقاء بالعمل المهنى بشكل مستمر.
وفى المجال المهنى للوكالة الأدبية عالميا، تأسست بالفعل اتحادات وجمعيات مهنية من أجل تعزيز المهنة ودعم أعضائها، وعلى سبيل المثال الجمعية الأمريكية للوكلاء الأدبيين، التى تأسست عام ١٩٩١ بهدف وضع معايير للمهنة ومدونات سلوك وبرامج تعليم وتدريب، ودعم الأعضاء فنيا وربما ماليا أحيانا، وحماية حقوق المؤلفين من خلال دعم الوكلاء الأدبيين الذين يمثلونهم. وفى بريطانيا تأسست جمعية الوكلاء الأدبيين عام ١٩٧٧ لتمثيل مصالح الوكلاء، وتوفير منصة للتعاون بينهم، وتعزيز معايير المهنة وضمان أفضل الممارسات فى التعامل مع المؤلفين والناشرين.
أما عربيا فقد أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة فى السعودية مبادرة «الوكيل الأدبى»، وهى الأولى من نوعها عربيا، بهدف الارتقاء بصناعة النشر المحلية ورفع مستوى الإنتاج الأدبى وتعميق تنوعه. كما أعلنت الهيئة فى ٢٠٢٤ عن برنامج التدريب الدولى لتأهيل الوكلاء الأدبيين وتطوير الوكالات الأدبية وفق أفضل التطبيقات العالمية، بالتعاون مع شركة «كورنرستونز» المتخصصة فى الاستشارات الأدبية. وقدمت الإمارات أيضا جهودا، ولكن بشكل آخر فقد أسست أول منطقة حرة للنشر والطباعة فى العالم العربى، والتى تدعم صناعة النشر وما يرتبط بها فى الإمارات والمنطقة.
وقد أشرت فى المقالين السابقين حول واقع مهنة الوكيل الأدبى فى مصر، إلى أنه لا توجد جهة اختصاص حكومية أو غير حكومية تمثل المجتمع المهنى للوكلاء، وتلبى احتياجاتهم، وتكون مسؤولة عن وضع الأطر التشريعية والتنظيمية لهذه المهنة، بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لتطوير الهياكل الإدارية فى مؤسسات الثقافة والنشر لدعم مهنة الوكيل الأدبى. وفى ظل الحركة الأدبية المتنامية فى مصر، يصبح من الضرورى إنشاء المزيد من الهياكل المؤسسية المتخصصة فى المستقبل لدعم هذا النمو وتلبية المتطلبات المتزايدة للسوق الأدبية مع الاستفادة من التجارب العالمية.
لقد قمت، وبجهد ذاتى كوكيل أدبى، بإجراء عدة مراسلات للتعرف على مثل تلك التجارب الخارجية، كان أولها مع اتحاد الناشرين الدولى فى شخص خوسيه بورجينو، الأمين العام للاتحاد، واقترحت عليه أن يشمل اتحاد الناشرين الدولى ضمن هيكله التنظيمى ولجانه ما يعبر عن الوكلاء الأدبيين، خاصة أن الوكيل الأدبى أصبح طرفا أساسيا فى صناعة النشر، وسررت بأن رده تضمن تقدير الفكرة والاستعداد لتبنيها، بشرط أن يكون هناك منظمة أو اتحاد وطنى يمثل الوكلاء الأدبيين ويتقدم بطلب الانضمام إلى عضوية اتحاد الناشرين الدولى ليأخذ الطلب مساره الرسمى وفق شروط ومتطلبات القبول.
كما أرسلت رسالة أخرى إلى اتحاد الناشرين العرب، ممثلا فى بشار شبارو، الأمين العام للاتحاد العربى، قدمت فيها المقترح نفسه وأأمل أن تكون رؤيتهم لهذا المقترح بداية لدفع الحركة نحو إنشاء كيان إقليمى عربى يمثل المسار المهنى للوكيل الأدبى وتقوية دوره فى صناعة النشر.
وبالنسبة للدول العربية التى لا توجد بها مؤسسات رسمية مختصة للوكلاء الأدبيين، يمكن أن تتولى هيئات أو وزارات فيها معنية بصناعة الأدب والنشر والثقافة دور داعم الوكلاء الأدبيين الحاليين والجدد إلى حين استكمال الإطار التنظيمى.
يقول أندرو كارنيجى، الصناعى الأمريكى المعروف: «الخبرة المشتركة هى مفتاح النجاح»، لذلك فإن وضع أساسيات ومعايير العمل وتبادل الخبرات بين المتخصصين هما حجر الزاوية لأى نجاح مهنى.
وهناك نماذج عالمية تؤكد ذلك مثلا: استيفانى مولينا، وكيلة أدبية فى وكالة لادر بيرد الأدبية، وهى متخصصة فى قصص بلوغ سن الرشد تقول: «لأننى كنت أعمل دائما عن بعد فى مجال الوكالة الأدبية، فقد واجهت صعوبة فى بناء وتعميق العلاقات المستمرة مع الوكلاء الأدبيين فى وكالات أخرى. وعندما بدأت فى التواصل مع الوكلاء الأدبيين خارج نطاق فريق الزمالة بشكل دورى كان الوضع مجزيا جدا بالنسبة لى. فالتحدث مع وكلاء ذوى خبرة وحكمة بشكل منتظم كل شهر يساعدنى، ليس فقط فى معرفتى بتطورات الصناعة، بل ساعدنى أيضا على معرفة كيفية وضع خطط تساعدنى فى إدارة مهنتى أفضل ومحاكاة أصحاب الخبرة فى هذه المهنة».
أما تشيلسى، وكيلة مشاركة فى وكالة ك.ت، والتى كانت مدربة فى مجال النشر وجربت مسارات مهنية متنوعة فى مجال النشر، بما فى ذلك المجلات الأدبية والصحف الأكاديمية والناشرين المستقلين، قبل أن تقرر العمل كوكيل أدبى، تقول عن عملها: «مهنة الوكيل الأدبى هى مجال عمل يكون مرهقا حقا لمجرد غموضه أولا، فهناك الكثير مما لا يمكن معرفته حتى تتشارك مع شخص ذى خبرة فى هذه المهنة، وثانيا يوجد الكثير من الخبرات التى لن تجدها مكتوبة بالضرورة، فالكثير منها يأتى فقط بالممارسة أو بالتبادل بين الزملاء. إن تحدثى مع كل وكيل أدبى آخر يتيح لى الكثير من المعرفة التى يمكن الاعتماد والإفادة من وجهات نظرهم.
أخيرا، وفى حديث مسجل مع حاتم الشهرى، أول وكيل أدبى فى السعودية، والمدير التنفيذى لوكالة حرف الأدبية، يقول إنه بدأ مهنة الوكيل الأدبى منذ ٢٠١٥ حتى عام ٢٠٢٠ بشكل فردى، ولم تكن هيئة الأدب والنشر والترجمة فى السعودية وقتها قد تولت ضمن استراتيجيتها وضع أطر تشريعية وتنظيمية كبيئة حاضنة للوكيل الأدبى أو الوكالة الأدبية.
يؤكد الشهرى أنه كان سيحدث فارقا كبيرا فى عمله لو بدأ مشواره المهنى منذ البداية بانتمائه إلى كيان مؤسسى كوكالة أدبية لديها أقسام متخصصة فى المعالجة الفنية للكتب، تضم وكلاء أدبيين فى تخصصات مختلفة، مثل وكيل لكتب الأطفال ووكيل كتب الخيال ووكيل كتب الواقع. ويرى أن انضمام الوكلاء الأدبيين تحت سقف كيان واحد يوفر فرصة جيدة للاستفادة من موارد الجهة الراعية، سواء من جانب التمثيل الرسمى، الدعم المالى أو خبرة الموارد البشرية. الطريق لايزال طويلا.. لكن محاولات التأسيس السليم لتلك المهنة بمصر وبلاد العرب مستمرة.
* وكيل أدبى وإخصائى معلومات