ذاكرة الكتب.. «رأس العش».. بداية معركة استرداد الكرامة
تعتبر معركة رأس العش عودة الروح للمصريين والجيش بعد نكسة يونيو ١٩٦٧، حيث جرت هذه المعركة بعد أقل من شهر من الهزيمة، واستطاع الجندى المصرى أن يثبت أنه لا يقهر وأنه صاحب عزيمة لا تلين، وكانت رسالة للجميع فى الداخل والخارج أن ما حدث مجرد نكسة عابرة فى التاريخ المصرى وأننا قادرون على العودة مرة أخرى، ومن أهم الكتب التى تناولت تفاصيل المعركة كتاب «رأس العش.. مغامرات الكانغرو المصرى» للكاتب والمؤرخ محمد الشافعى.
يتحدث الكتاب عن معركة «رأس العش» باعتبارها حدثًا فارقًا فى كيفية العبور من هزيمة يونيو إلى الانتصار وأهمية المعركة ترجع عند معرفة حجم القوات المصرية وقوات العدو الصهيونى، التى تؤكد أن الجندى المصرى قادر على مواجهة العدو عندما يمتلك القيادة الحاسمة وسرعة اتخاذ القرار مثلما فعله الملازم عبدالوهاب الزهيرى خلال المعركة واستيعابه للتكنولوجيا الحديثة، بجانب اهتمام رئيس الدولة بشحن المقاتلين بالإرادة والإصرار، والمعركة غيرت المعادلات العسكرية فى العلوم الاستراتيجية فواجه الجندى المصرى الدبابة بمفرده وحطم محمد المصرى ٢٧ دبابة وعبد القاضى ٢٥ دبابة وخاض الجنود المصريون معارك شرسة لمدة ٣ سنوات خلال حرب الاستنزاف. والكتاب به كشوف بأسماء أبطال المعركة فى الضفة الشرقية والضفة الغربية.
يسرد الكتاب أدق تفاصيل معركة رأس العش، وهى المعركة التى أتت نتيجة منطقية للتماسك السريع للقوات المسلحة المصرية، فعلى الرغم من انهيار القيادة العسكرية المصرية فى حرب يونيو، مما أدى إلى ذلك الانسحاب وتفاقم الخسائر فى المعدات والأرواح، فإن خروج الجموع فى التاسع والعاشر من يونيو معلنة رفضها للهزيمة، وتطالب بالثأر مما حدث وتحرير سيناء، ورفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وتراجع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عن قرار التنحى، وتعيينه الفريق محمد فوزى وزيرًا للحربية، وكذلك الجنرال الذهبى الشهيد عبدالمنعم رياض رئيسًا للأركان، وذلك فى يوم ١١ يونيو ٦٧ – فقد أدى كل ذلك إلى سرعة تماسك القوات المسلحة، بعد أن بدأت على الفور عملية إعادة بناء القوات المسلحة من جديد واختيار قيادات جديدة، وتحديد حجم الاحتياجات العسكرية، ومعاودة التدريب وتأهيل الأفراد لمعركة طويلة المدى من جديد. وبدأ أفراد وتشكيلات قوات الصاعقة فى الخطوات العملية، وإعادة بناء التشكيلات والتنفيذ فورًا على الأرض، استعدادًا للثأر وعودة الأرض المحتلة والكرامة.
ويضيف: بالفعل أصبحت قوات الصاعقة الأكثر جاهزية والقدرة على التعامل مع العدو، وهو ما تجلى واضحًا فى معركة «رأس العش»، تلك التى بدأت وانتهت بعد حوالى شهر من الهزيمة. فقد أبلغ أحد المرشدين العاملين بهيئة قناة السويس بأن بعض القوات المدرعة للعدو قد بدأت تتحرك فى منطقة الكاب باتجاه مدينة «بور فؤاد» شمال قناة السويس. وصدرت الأوامر بحماية بور فؤاد ومنع تقدم تلك القوات. وتقع منطقة رأس العش غرب بور فؤاد وتعتبر المدخل المهم للمدينة من جهة سيناء.
ويؤكد «الشافعى» أنه كان هدف العدو السيطرة على بور فؤاد كى يكون قد أتاح السيطرة على كل الجانب البرى الشرقى لقناة السويس، ثم يبدأ فى المساومة على فتح قناة السويس، على أن يحصل على نصف الإيرادات! وهو ما جعل القرار إفشال محاولة العدو مهما كانت النتائج. وتحركت قوات العدو (١١ دبابة) وفصيلة مشاة ميكانيكية (٣٠ جنديًا)، و٦ عربات (نصف جنزير)، و٣ هياكل دبابات عليها مدافع ذاتية الحركة.
وعن تسليح القوات التى قامت بالمهمة قال الكاتب إنه لم يزد على ١٠ مدافع مضادة للدبابات، ومدفعين رشاش متوسط، ومدفع (آر.بى.جى) وهو السلاح الجديد الذى لم يتدرب عليه سوى جندى واحد مشارك هو الرقيب حسنى سلامة الذى لقب بـ«الكنغر المصرى».
وبدأت المعركة بطائرة هليكوبتر طارت على انخفاض كبير جدًا للاستطلاع، حتى إن الجنود المصريين شاهدوا بسمة الطيار الساخرة، فالجميع يرى بعضهم البعض فى المنطقة، وكان الطيار يرسل رسالة ساخرة. وبدأ العدو بإطلاق النيران، على خزان المياه، حيث كان هو مركز الاستطلاع وتوجيه النيران للمصريين مع بداية المعركة.. ثم ضرب الفصيلة المصرية فى غرب القناة لمدة ٣ ساعات، مما أدى إلى استشهاد أربعة جنود وإصابة الكثيرين. وفى الليل بدأ العدو فى التركيز على ضرب الفصيلة فى منطقة شرق القناة، إلا أن تقدم قوات العدو كان بطيئًا بسبب الألغام التى زرعها المصريون، ولضيق الطريق فى المنطقة. وبالفعل رد المصريون بضربهم، مما جعل العدو يتوقف عن التقدم لإعادة دراسة الموقف، وإن استمر فى إطلاق النيران الكثيفة على موقع الجنود، وحدثت بالفعل الإصابات..
وأشار إلى أنه بعدها فشلت محاولة تطويق القوات المصرية من الخلف، ومضت الدقائق ليبدأ العدو فى التقدم على الطريق الضيقة من جديد، بعد إزالة الألغام.. إلا أن الرقيب «حسنى» استطاع تدمير دبابة وعربتين، مما دفع العدو للتراجع. وقد تابع «جمال عبدالناصر» المعركة، وأمر بترقية الجميع ومنحهم الأوسمة، بعد أن أمر بالعمل على توصيل خط تليفونه الشخصى بالملازم الشاب «فتحى عبدالله» قائد الفصيلة مباشرة، ومتابعة ما يستجد.
ثم أعلن عن استشهاد نصف أفراد الفصيلة وإصابة البعض الآخر، إلا أن الملازم «الزهيرى» على الضفة الأخرى من القناة، قرر مع أفراده احتلال موقع فصيلة الصاعقة، ليكون على مقربة من قوات العدو.. فاشتبك مع العدو وزرع ألغامًا جديدة لمنع التقدم.. حيث تم تدمير عربة مدرعة للعدو. وفى صباح اليوم التالى وردت الأنباء بتقدم «قول» سيارات مدرعة تتقدمه دبابة لمعاودة احتلال المنطقة، ومن جديد اشتبك «الزهيرى».. دمرت الدبابة، وصعد أحد الجنود ووضع قنبلة بالسيارة التالية وما بعدها.. فعاد القول المدرع، ولم تنجح المهمة.
وبعد تمام انسحاب جميع القوات المسلحة المصرية إلى غرب القناة تم تسكينه فى مواقع جديدة وإعادة هيكلة كل التشكيلات، وكانت قوات الصاعقة الأكثر جاهزية والأكثر قدرة على التعامل مع قوات العدو، ولذلك انتفضت كل الدولة المصرية بمجرد أن أبلغ أحد المرشدين فى هيئة قناة السويس بأن بعض القوات المدرعة والميكانيكية للعدو اليهودى الصهيونى قد بدأت تتحرك فى منطقة الكاب باتجاه مدينة بور فؤاد، مما دفع أفراد فرقة الصاعقة بعد تلقى الأوامر بالتصدى لهذا الهجوم وتم التعامل معه وإرجاعه ومنعه من إتمام المهمة المكلف بها وهى احتلال مدينة بور فؤاد حتى يكون لإسرائيل وضع على خط المياه وتتقاسم مع مصر أموال القناة، على اعتبار أنها شريك معنا فيها وهو ما تم إبطاله تمامًا من قبل أفراد قوة الصاعقة التى تصدت للعدو فى هذه المنطقة وأجبرته على التراجع، إضافة إلى أن هذه المعركة أوصلت للعدو أنه قادم على معركة أخذ بالثأر من قبل المصريين الذين يشبهون طائر العنقاء الذى يبعث من الرماد بعد موته.