اللواء أحمد المنصورى لـ«المصرى اليوم»: الروح القتالية سبب النصر فى حرب أكتوبر

اللواء أحمد المنصورى لـ«المصرى اليوم»: الروح القتالية سبب النصر فى حرب أكتوبر


كان اللواء طيار أحمد المنصورى، المولود في فبراير 1946، من أوائل المشاركين في أول أسراب الطيران في حرب أكتوبر، وأطلق عليه قائد تشكيل الفهود السوداء، كما وصفه الإسرائيليون بـ«الطيار المجنون». «المصرى اليوم» أجرت معه حوارًا في منزله بمصر الجديدة، وهو أشبه بمتحف يوثق بالصور والصحافة لوقائع المواجهات بين الطيران المصرى والإسرائيلى في حرب أكتوبر وتجده في صوره شابا أشبه بالأجانب وكانت لديه قناعة قتالية مفادها أنه لا يريد أن يستشهد قبل أن يحصد أكبر عدد من طائرات الأعداء في 52 طلعة جوية شارك فيها تقريبا خلال 7 أشهر.
كانت أولى طلعات «المنصورى» قبل حرب أكتوبر، غير أن هناك أكثر من فيلم وثائقى وبرنامج تسجيلى منها ما هو أمريكى عن هذا الطيار المصرى.. في العيد الـ 50 لانتصار أكتوبر، كان لنا معه هذا الحوار، الذي استعاد خلاله أهم المواقف البطولية للطيارين المصريين.

اللواء أحمد المنصورى فى حواره ل«المصرى اليوم»

■ بداية.. هل كان حلمك منذ الطفولة أن تكون طيارًا حربيًا؟

– نشأت في بيئة عسكرية، فوالدى هو الصاغ (الرائد) كمال عبدالحميد المنصورى، حيث كان من الضباط الأحرار ومن المشاركين الفاعلين في ليلة 23 يوليو، وهذه النشأة العسكرية أثرت على مسيرتى تأثيرًا بالغًا، وأمى دائمًا كانت تتعمد أن تجعلنى أرتدى ملابس «لونها كاكى» عندما كنت في روضة أطفال الأميرعبدالمنعم في مصر الجديدة، غير أن حضورى عرض عسكرى في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، عزز حلمى بأن أصبح طيارًا حربيًا.

■ ثورة يوليو جعلتك تتعلق كثيرًا بالجيش والأمور العسكرية.. أليس كذلك؟

– أذكر أنه في سنة 52، وأنا أقف في شرفة منزلنا بمصر الجديدة رأيت الطائرات تحتفى بثورة 23 يوليو المجيدة وتحلق فوق بيتنا الذي يقع إلى جوار مطار ألماظة، ومنذ ذلك الحين تعلقت عيناى بالسماء، وحين كنت في سنوات دراستى في روضة أطفال الأمير عبدالمنعم، قلت لوالدتى إننى أريد أن أصبح طيارًا، فقالت لى «لازم تتعلم الطيران» ومنذ ذلك الحين ترسخت قناعتى بأننى ولدت كى أكون طيارا وتمنيت من الله سبحانه وتعالى أن أكون طيارا مقاتلا بالتحديد، ودخلت كلية الطيران وتخرجت قبل سنة 67، وعشت نكسة 67، ثم كانت حرب الاستنزاف حتى كان الثأر في حرب 73.

■ ماذا عن دور القوات الجوية في حرب أكتوبر؟

– أعاد الفريق البطل مدكور أبوالعز تسليح القوات الجوية من جديد ووجهنا ضربة مبكرة لقوات إسرائيل التي كانت موجودة على ضفاف قناة السويس، فتراجعوا 50 كيلومترًا للخلف، في حين زعم موشى ديان قبل ذلك أن جيش مصر أمامه 50 عامًا، حتى يستعيد توازنه، وأقول إن مصر لا تموت ولن تموت حتى وإن مرضت لفترة فإنها قادرة على التعافى واستعادة قوتها على نحو أفضل مما كانت عليه، ولقد خضعنا لتدريبات شاقة وقوية وكانت روحنا القتالية بكامل طاقتها وبلغت ذروتها، وكنا جاهزين لخوض المعركة في أي لحظة.

■ ما رأيك في قرار الرئيس الراحل أنور السادات بخوض المعركة؟

– الله عز وجل وفقه في ذلك القرار الحكيم، ووجهنا ضربة قاصمة لإسرائيل، وهذه أول حرب من ضمن 4 حروب قدمنا فيها نحو 100 ألف شهيد من أجل القضية العربية الكبرى فلسطين، وهى حروب 1948و1956و1967 وحرب الاستنزاف إلى أن كان النصر المجيد في أكتوبر1973، وهى أول حرب نبدأها نحن المصريين.

■ شاركت في 52 طلعة جوية وهذا عدد كبير.. حدثنا عن ذلك خاصة أن أولى هذه الطلعات كانت في فبراير 1973 أي قبل الحرب بنحو 7 أشهر؟

– نعم شاركت في 52 طلعة جوية خلال 18 يومًا أي ما يعادل من 4 لـ 5 طلعات في اليوم الواحد، وفى حرب أكتوبر كنت صائما، أما عن طلعة فبراير 1973، فكنا قد تلقينا تدريبا مكثفا وعاليا، وكنا جاهزين للحرب تماما ومثلما ذكرت كانت هذه الطلعة قبل حرب أكتوبر بـ 7 أشهر، وكان البرنامج اليومى لأى طيار أن يستيقظ قبل الفجر بساعة وفى الفجر يكون كل منا في طائرته على مدى ساعتين ويقوم بالطيران على مدى ساعتين ويظل الطيار المقاتل مربوطا بطائرته في وضع استعداد دائم لتلقى الأوامر أو التكليف، وبمجرد صدور أمر الإقلاع أكون أخذت وضع الاستعداد للطيران في دقيقة.

اللواء أحمد المنصورى فى حواره ل«المصرى اليوم»

■ وما أسباب طلعة فبراير 1973.. وكم كان عددكم مقارنة بالطائرات الإسرائيلية؟

– في ذلك اليوم صدر لنا الأمر بالإقلاع لاعتراض 6 طائرات إسرائيلية تقتحم الأجواء المصرية من عند (فايد) صوروا الجيش الثالث والجيش التانى وخرجوا باتجاه الزعفرانة والعين السخنة في طلعة مستفزة للغاية وكأنهم بيقولوا (الراجل يطلع لينا) وأرادوا استدراجنا عند منطقة العين السخنة أو الزعفرانة، خاصة أن المدى الفعلى لطائراتنا محددد، وإذا وصلت إلى تلك النقطتين؛ يصعب عودتها، إذ إن أطول معركة جوية تستمر من دقيقتين لثلاث دقائق، لكن هذه المواجهة استغرقت 13 دقيقة، كنت طالع أنا والشهيد حسن لطفى فقط في حين أنه من المفترض لكى نواجه 6 طائرات أن يكون عددنا أكثر منهم، وحين أقلعت أنا نظرت إلى «حسن» وأرسلت له بيدى إشارة معناها (إحنا طالعين ومش راجعين، لكن مترجعش ولا تسلم إلا لما تجيب عين وقلب واحد واتنين وتلاتة من دول) فما كان من «حسن» إلا أنه أشار لى برأسه دلالة على الاستعداد والترحيب والجاهزية، وهناك تسجيل نادر لهذه المعركة من غرفة القيادة يؤكدون: (قدامك 6 طيارات) رديت عليه قولت (دخلنى عليهم على طول).

دخلنا مباشرة على رأس الثعبان وفى أي سرب طيران يكون قائده واضحا وظاهرا باعتباره «صانع الألعاب» ولأنهم استخفوا بنا واعتقدوا «إننا شوية عيال راكبين طيارتين مج21»، رفيقى «حسن» دخل في 4 طائرات دفعة واحدة «وطلعوا يجروا» وأنا ضربت قائد السرب، وبدأت عملية قتالية شرسة مع 5 طائرات استمرت 13 دقائق (مش طايلين مننا لا حق ولا باطل أي حد يقرب منك بتروح تخبط في وشه بيجرى منك مش قادر يعمل حاجة والروح اللى كانت موجودة عندنا كانت عملالهم فزع غير عادى)، وهو ما دفعهم إلى الانسحاب والعودة، وقتها احتلت هذه المعركة مانشيتات صحف مصرية بعنوان «معركة جوية فوق خليج السويس عندما حاولت 6 طائرات اختراق مجالنا الجوى».

■ نفذت 52 طلعة جوية من 6 لـ 24 أكتوبر؟

– أول طيارة كان يقودها عاطف السادات في السرب الأول مع الطائرات القاصفة السوخوى، وكنت أنا ضمن سرب المقاتلات والمفترض أن طائرتنا المقاتلة تكون مرافقة للطائرة القاصفة حتى تتمكن من القصف وكان قائد القوات الجوية آنذاك، الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك آنذاك يقول «أنت توصل الطيارة دى علشان تضرب الصاروخ وتقصف القنبلة في قلب إسرائيل انت ترجع أو ما ترجعش مش قضيتى».

■ العدو أطلق عليك وصف «المجنون».. ما تعليقك؟

– أفتخر بهذ الوصف كثيرًا، فهى شهادة غير مجروحة من عدو قوى، وهذا أول تكريم لى، خاصة أنه من أعدائى أنا بحارب منتخب العالم اليهود عبارة عن «إنجليز وفرنسيين وأمريكان وهولنديين وبولنديين.. إحنا مش بنحارب عدو ضعيف» وأفخر أننى انتصرت على هذا العدو القوى.

■ حدثنا عن الطلعة التي ضمت 8 مقاتلات مصرية في تشكيل بقيادة سليمان ضيف الله في مواجهة 30 طائرة للعدو؟

– كان سليمان ضيف الله قائد تشكيل في مواجهة 30 طيارة، وكنت أنا قائد التشكيل الثانى، وهذه كانت آخر الطلعات الانتحارية في يوم 24 أكتوبر، حيث كان هدف الإسرائيليون الضغط على الجيش الثالث لإلحاق أكبر الخسائر به ومحاصرته والعبور في اتجاه السويس، لاحتلالها وقطع الطريق بين القاهرة والسويس، لتقول جولد مائير، للرئيس السادات، وقتها «ها نحن هنا قاعدون لتحمله على التفاوض من مركز قوة بالنسبة لهم وهم على بعد 100 كيلو من القاهرة» لكن عبثا حاولوا ونحن بالأساس كنا خارجين في مهمة أخرى مع طائرات قصف مقاتلة في سيناء وعند عودتنا جاءتنا الإشارة بأن هناك 30 طائرة إسرائيلية تستهدف الجيش الثالث، فدخلت على الفور في هذه المهمة القتالية، وأبلغتنى غرفة العمليات أن هناك 16 طائرة إسرائيلية تحاوط التشكيل الخاص بى، لكننى توكلت على الله، وسألته في دعوات وقتها أن يوفقنى، والحمد لله منعناهم من الوصول إلى السويس.

الأوسمة والتكريمات التى حصل عليها اللواء أحمد المنصورى

■ إذن ما تفاصيل المواجهة في هذه الطلعة؟

– اشتبكنا معهم، وبمجرد أن دخلنا في هذا الاشتباك ألقوا القنابل التي يحملونها، لأنها تمثل ثقلا على الطائرة وتجعل حركتها ثقيلة، وهذه القنابل كانوا يريدون إلقائها على السويس، لكنهم لم يستطيعوا تحقيق هدفهم بضرب السويس، و«اللى بيرمى القنابل بتاعته بيرجع، لأنه لم يأت بغرض الاشتباك معك إنما لإلقاء القنابل»، وهذا يعنى أن نصفهم تراجع وعاد والنصف الآخر اشتبكنا معه وقام الطيار رقم 2 معى وجد طائرات متوجهة لضرب الجيش الثالث، فلاحقها دون أي تعلمات منى وضرب قائد التشكيل وقال لى «دول بيقتلوا إخواتى تحت أسيبهم إزاى».

■ وماذا عن سليمان ضيف الله قائد التشكيل الثانى في نفس الطلعة؟

– رأيت طائرته محترقة قولت له «طيارتك مولعة يا سليمان نط منها، قالى أمامى طيارة إسرائيلى لازم أضربها، قولتله مش هتلحق نط من الطيارة قالى مش هسيبه، وهذا كان قسمًا غليظًا في ساعة موت وانفجرت طيارة سليمان، وأثناء قفزه من الطائرة وهبوطه ضرب عليه طيار إسرائيلى بالمدفع وفصل ساقه عن جسده، وفى العموم من بين الـ 8 طائرات المصرية، خسرنا 6 طائرات، وكذلك هم أيضا وقع منهم نحو 6 طائرات.

■ إثر هذه الطلعة والمناورة التي قمت بها مع طائرات العدو تم وصفك بأنك الطيار المجنون.. ما تفاصيل هذه القصة؟

– كان خلفى طيار وأمامى طيار واستهدفنى الطيار الذي خلفى وظل يقترب ليؤكد إصابته لى فقلبت له طائرتى لأثير طمعه من قبيل الإغواء، ثم هبطت بمنتهى السرعة وكأننى أنتحر، فلو لاحقنى سيموت، وفى العموم كى أقوم بمناورة كهذه لابد أن يكون ارتفاعى 6500 قدم لكى تكون نجاتك بنسبة 50%، لكن كان الارتفاع حينها 3000 قدم يعنى ميت ميت والطيار الذي يلاحقنى ظن أننى في طريقى للموت أو أننى طيار مجنون ونجحت في إيهامه بأننى في طريقى للسقوط وطلعت الطائرة وأنا جنب الأرض وطلعت وقلت له أنت سوف تموت الآن وطلعت الصاروخ وقتلته».




Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *