«استقبلتُ عرض مصر لتنظيم أولمبياد 2036 بصورة جدية جداً، وسندعم مصر وسيكون أمراً مثيراً جداً استضافة تلك الأولمبياد، وتقديم مصر لجميع الرياضيين حول العالم أفضل الأجواء»، بهذه الكلمات علق توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، من القاهرة، على طلب مصر استضافة دورة الألعاب الأولمبية 2036.
وأعلنت وزارة الشباب والرياضة المصرية رغبتها التقدم رسمياً للمنافسة على استضافة أولمبياد 2036، وذلك بعد الحصول على موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي على التقدم بطلب التنظيم.
وفور الإعلان، استقبل المصريون والمختصون بالقطاع الرياضي، الخطوة بتعليقات متباينة بين «ترحيب» أن تكون «القاهرة» أول عاصمة عربية وأفريقية تنظم الألعاب الأولمبية حال قبول الملف المصري، وبين «تخوف» من قدرة البنية التحتية والرياضية على استضافة نحو 15 ألف رياضي يجمعهم الحدث الرياضي الأبرز عالمياً… وهو ما دعا للتساؤل: أي فرص تنتظر مصر في استضافة الأولمبياد قبل 14 عاماً من انطلاقها؟
المستشار خالد زين الدين، رئيس اللجنة الأولمبية المصرية السابق، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن عرض مصر تنظيم أولمبياد 2036 هو أمر ينتظره كل رياضي مصري، وهو «فرصة عظيمة» يمكن أن تتحقق مع تواجد العاصمة الإدارية الجديدة التي يتم فيها تجهيز مدينة مصر الأولمبية لاستضافة هذا الحدث الكبير، خاصة في ظل اهتمام الرئيس المصري بالعمل على تطوير المنشآت الرياضية والبنية التحتية.
ويضع زين الدين، الذي يمتلك خبرة أولمبية كبيرة بحضوره 8 دورات أولمبية متتالية، روشتة عمل للمسؤولين المصريين، قائلاً «تحتاج مصر إلى تجهيزات قوية على أعلى مستوى لتضمن نجاح ملفها، مع العمل من اللحظة الحالية على المستويات كافة، فهناك حاجة إلى تطوير الملاعب الرياضية المفتوحة، التي تشهد تطوراً مع كل دورة أولمبية من حيث المقاسات الأولمبية وسعة المدرجات والخدمات المصاحبة بأعلى المواصفات العالمية، وكذلك تجهيز الصالات المغطاة بكل خدماتها، مع إقامة قرى أولمبية على أعلى مستوى تكون قادرة على استيعاب آلاف اللاعبين والمدربين، وتكامل البنية الأساسية لمرافقها، ومزودة بمستشفيات طوارئ جاهزة ومعامل منشطات، وفنادق فئة 3 نجوم إلى 5 نجوم، ومدينة سكنية، ومطاعم ومطابخ تقدم مختلف أصناف الطعام لخدمة الرياضيين من حول العالم، وتوفير مواقع لرؤساء الاتحادات الدولية والقارية».
ويتابع «إلى جانب ذلك هناك أهمية شديدة لوجود لجان قوية تقوم على خدمات التنظيم كافة، مثل وجود آلية لتوفير وطرح التذاكر أمام الجماهير، مع التأمين الأمني القوي، والتنظيم المحكم للغاية داخل وخارج الملاعب، وتوفير وسائل نقل ومواصلات سهلة، واتصالات وتكنولوجيا ووسائل إعلام تسهل التواصل، وهو ما يحتاج إلى تكامل الجهات كافة بالدولة المصرية؛ لأن ضمان كل ذلك يحتاج إلى عمل كبير ومتضافر».
ويشدد رئيس اللجنة الأولمبية المصرية السابق على أهمية الاستعانة بخبرات دولية في مجال تنظيم الألعاب الأولمبية، فالطريق ليست سهلة للوصول إلى اقتناص التنظيم، موضحاً أن «اللجنة الأولمبية المصرية ووزارة الرياضة رغم اجتهادهم الكبير، فإنهم لا يملكون الخبرات المطلوبة، فهناك أناس وشركات متخصصون في هذا العمل، الذي يحتاج إلى فنيات لا نمتلكها، وهذا ليس عيباً أو انتقاصاً من أحد، فالصين عند تنظيم دورة 2008 وإنجلترا في لندن 2012 استعانتا بشركات من الخارج، كذلك نجد دولة استعانت بأهل الاختصاص لتنظيم بطولة كأس العالم 2022، وهو ما يضمن العمل باحترافية».
ويشير زين الدين، إلى الخطوات المطلوبة في المرحلة المقبلة، موضحاً أن الخطوة الأولى في إعداد الملف الأولمبي تكون بأخذ موافقة الدولة المصرية، ثم تكتب اللجنة الأولمبية المصرية خطاباً إلى الأولمبية الدولية برغبة الاستضافة، ثم يبدأ العمل على الفور على إعداد قوي لتجهيز الملف، وإعداد الملف يجب أن تقوم عليه كذلك شركة محترفة، فهناك شركات متخصصة في إعداد ملفات استضافة الدورات الأولمبية، وتكون مهمتها بداية من عمل تميمة الدورة والشعار الخاص بها، ثم العمل على كافة متطلبات التجهيز وعرضها، وهو ما يحتاج نحو 3 سنوات للانتهاء من إعداد الملف».
من جانب آخر، يوضح الدكتور حسام جودة، رئيس قسم الترويح الرياضي بكلية التربية الرياضية جامعة المنصورة، أن إبداء مصر رغبتها في التقدم للمنافسة على استضافة أولمبياد 2036 هي خطوة كبيرة تأتي في ضوء توجهات مصر السياسية وضمن رؤية التنمية المستدامة 2030، لافتاً إلى تميز مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية في العاصمة الإدارية الجديدة بخدمات متكاملة، والتي تعد أول وأكبر مدينة أولمبية متكاملة داخل مصر، وتضم العديد من المنشآت الرياضية والعامة؛ ما يجعلها قادرة على مستوى الحدث.
ويشير إلى أن «قدرات مصر حالياً تؤهلها لاستضافة مثل الحدث الرياضي الكبير، مُقارناً بين تلك القدرات وما حدث من قبل مع تقدم مصر لاستضافة تنظيم عام 2010 وفشل ملفها في الحصول على أي صوت من أعضاء المكتب التنفيذي لـ(فيفا)، وهو ما عرف في ذلك الوقت بواقعة (صفر المونديال)»، قائلاً «في 2010 كان المردود والتقديم ليس على المستوى المطلوب، فالبنية التحتية لم تكن تساعد وأبرزها شبكات الطرق، مع تراجع البنية التكنولوجية، كذلك لم تكن العلاقات مع دول الجوار ودول أعضاء المكتب التنفيذي لم تكن على ما يرام وقتها، أما الآن فقد تبدلت الأوضاع، وتشهد مصر بينة تحتية وإنشائية متطورة، وعلاقات جيدة مع الخارج، وأعتقد أن ذلك سيكون له مردود كبير في الفترة المقبلة».
ويؤكد جودة، أن هناك عوامل أخرى تعزز فرص مصر لاقتناص تنظيم دورة 2036، منها أن «الأولمبياد لم تُقَم في أفريقيا أو في دولة عربية من قبل، مع تميز مصر في ﺟﻬود ﺗﺣﻘﻳﻖ أهداف التنمية المستدامة والرؤية الخاصة بها، إلى جانب أن توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية شاهد على أرض الواقع ما تتمتع به مصر من إمكانيات، وهي في رأيي خيارات يعطي أفضلية لمصر».
وفي رأي خبير الترويح الرياضي، أن «ملف مصر يجب أن يعتمد على عوامل إقناع قوية، ليس فقط من متطلبات إنشائية وخدمات لوجيستية، فهناك عوامل أخرى مهمة، منها الشخصيات التي تستطيع الترويج للملف المصري عالميا، وبالتالي تجنب ما حدث في واقعة مونديال 2010، حيث كان خطاب الترويج داخلياً وليس خارجياً، وفي رأيه أن نجم كرة القدم المصرية محمد صلاح صاحب الشهرة العالمية هو أقدر من يتصدر هذا المشهد، كما يمكن استثمار أبطال لعبة الإسكواش المصريين من الرجال والسيدات في ملف الترويج».
ويلفت أيضاً إلى أن من عوامل الإقناع الأخرى تتمثل في الآثار المصرية، مستدركاً «يجب استغلال سمعة مصر السياحية والترويج من خلالها، وقد شهدت مصر تنظيم بطولات دولية للعبة الإسكواش عند سفح الهرم، وهو ما وجد صدى واسعاً عالمياً، وقد سمعنا رئيس اللجنة الأولمبية الدولية يؤكد أن حفل افتتاح دورة (باريس 2024) سيكون على نهر السين، ومشاركة الرياضيين ستكون في قوارب والجماهير على ضفاف النهر؛ لذا علينا أن نستغل ما لدينا من مقومات سياحية وضمها لبرنامج الدورة بما يجذب الزائر الأجنبي للرياضة والسياحة».
من الكلمات السابقة؛ يلتقط طرف الحديث الخبير السياحي محمد عثمان، مُثمناً فكرة تنظيم أولمبياد 2036، مؤكداً على أن «الاحتفالات والمناسبات الكبرى في حياة الشعوب علامة فاصلة في صناعة السياحة»، ويضيف «بمجرد الإعلان عن فكرة الاستضافة والتقديم لها يعطي ذلك صورة إيجابية عن مصر، التي تدخل بامتياز دائرة استضافة الأحداث الكبرى المهرجانات والبطولات، وأحدثها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP27) الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فمثل هذا المؤتمر وتزامن الترتيب له مع فكرة استضافة الأولمبياد يؤكد أن مصر في مرحلة استثنائية تستعيد فيها هيبتها السياحية بامتياز».
ويوضح، أن الإفصاح عن رغبة تنظيم الدورة الأولمبية في 2036 جاء ليتوج أحداثاً عدة تشهدها مصر حالياً، تتمثل في اكتشافات أثرية غير مسبوقة، مع ترقب العالم انتهاء المتحف المصري الكبير، والاحتفاء بذكرى مرور 200 عام على فك رموز حجر رشيد، مجموعة من الأحداث والأخبار المتتالية التي تضع مصر في بؤرة اهتمام العالم، وبالتالي يصب في صالح السياحة المصرية.
ومع ما شهدته اليابان من «تضاعف أعداد السائحين لأربع مرات خلال دورة طوكيو العام الماضي»؛ يلفت عثمان إلى أن «الزائر الذي تجذبه منافسات الدورة الأولمبية لا يأتي للرياضة فقط، بل للسياحة أيضاً، وبالتالي يصب ذلك في صناعة السياحة، ومع ما تشهده مصر من تنوع في المنتج السياحي سيكون ذلك عاملاً قوياً للجذب، ويحقق حلم الحكومة المصرية في تحقيق عائدات سياحية تفوق 30 مليار دولار سنوياً».
بدوره؛ يرى محمد البرمي، الناقد والمحلل الرياضي، أن «فكرة التقدم لاستضافة الأولمبياد فكرة رائعة ليست لمصر فقط إنما للمنطقة العربية، التي لم تشهد تنظيم بطولات أولمبية من قبل، وربما آن الأوان أن تستضيف دولة عربية الأولمبياد، سواء مصر أو أي دولة عربية أخرى، أو حتى لو بملف مشترك بين الدول العربية؛ لذا أرى أن موافقة الرئيس المصري ووضع ميزانية لذلك الطلب خطوة مهمة ،ومصر تستطيع أن تنظمها ولديها ما يؤهلها لذلك».
ويتابع «من المهم أن يحمل الطلب الذي ستقدمه مصر لاستضافة الأولمبياد مشروعاً حقيقياً وطموحاً، وبنية تحتية قادرة على استضافة العدد الكبير من الألعاب والرياضيين، وإذا نظرنا للمدة الزمنية المتبقية نجد أن هناك 14 عاماً، يمكن خلالها أن تصنع مصر الكثير لاستضافة الأولمبياد، على غرار قطر التي فازت باستضافة كأس العالم في 2010 وكان أمامها 12 عاماً للعمل وبناء الملاعب لاستضافة الحدث».
ويستطرد «بعيداً عن الإمكانيات اللوجيستية وتوافر بنية تحتية وسواء فازت مصر أو لا، فعلى وزارة الرياضة واللجنة الأولمبية المصرية والمعنيين عن الرياضة المصرية أن يكون لديهم مشروع طموح لتجهيز أجيال جديدة من الأبطال الأولمبيين وتأهيلهم للمنافسة على الميداليات، وهناك الكثير من الدول نجحت في ذلك، مثل الصين والعديد من دول آسيا وأميركا الجنوبية».
ويلفت البرمي إلى أن مصر لديها عدد كبير من الرياضيين وتعداد سكاني كبير، وبالتالي على الدولة تبني مشروع لتجهيز الأبطال وتوفير الإمكانيات المناسبة للإنفاق عليهم، متابعاً «لا يمكن أن يكون هناك بطل أولمبي مهموم بمشاغل أخرى ويتوقف عن التدريب، فالكثير ممن حققوا ميداليات كان بجهد فردي تماماً بعيداً عن الجهود الحكومية والتي تذهب في بعض الأوقات لأسماء لم تحقق شيئاً، وهو ما يؤثر بالسلب على حظوظنا».
وبرأيه، أن إحدى الخطوات المهمة التي يجب العمل عليها هي البحث عن الألعاب التي تتميز فيها مصر، عن الاهتمام والبحث عن المشاركة بكثافة كأكبر بعثة دون منافسة حقيقية، فلو حدث اهتمام بألعاب معروف أن مصر تنجح في الحصول على ميداليات فيها سيكون أفضل كثيراً، مثل المصارعة والتايكوندو ورفع الأثقال والكاراتيه.