لماذا لا تجسد أفلام الديناصورات حقيقة الكائنات المنقرضة؟
- كونتين كوبر
- صحفي مختص في الشؤون الفنية
ظهرت الأفلام السينمائية عن الديناصورات بعد فترة قصيرة من بداية صناعة السينما، لكن الفارق كان كبيرا للغاية بين حقيقة تلك الكائنات وبين الشكل الذي قدمته لنا أفلام السينما. كونتين كوبر، الصحفي والناقد السينمائي، يحاول البحث في كيفية خداع السينما للمشاهدين.
ربما يكون الفيلم الوثائقي “ديناصور 13” الذي أنتج عام 2014، هو أدق عمل فني يتناول الديناصورات على الإطلاق.
إذ أنه يعد من أفضل الأعمال التي تروي بشكل مثير كيف كشف خبراء الحفريات بولاية ساوث داكوتا الأمريكية النقاب عن أكبر هيكل عظمي على الإطلاق لديناصور من فصيلة (تي ريكس).
وبعد أن كان مقررا أن يعرض ذلك الهيكل العظمي كأهم قطعة أثرية في أحد متاحف ساوث داكوتا، نشب نزاع مرير بشأن الطرف الذي يحق له الإشراف على ذلك الهيكل، حتى أدى ذلك إلى تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، ومحاكمة أحد الباحثين المتخصصين في علم الحفريات وسجنه لمده طويلة.
في نهاية المطاف، بيع ذلك الهيكل العظمي في مزاد بنحو ثمانية ملايين دولار أمريكي، ولم يحصل المكتشفون على أي أموال من ذلك المبلغ. ويعرض الهيكل العظمي حاليا في أحد المتاحف الخاصة في ولاية شيكاغو.
وتكمن قوة ذلك الفيلم الوثائقي في طبيعة القصة التي يقدمها، والطريقة التي يظهر بها الشخصيات الرئيسية في العمل، ومن بينها ذلك النوع من الديناصورات.
ولم يتضمن الفيلم الصور التي أصبحت مألوفة للغاية في الأفلام والبرامج التي تروي قصة الديناصورات؛ فلا توجد صور افتراضية معدة بواسطة أجهزة الكمبيوتر لذلك الديناصور، ولا مؤثرات حركية.
تغيير للواقع؟
وعلى مدى قرن من الزمان، استخدم صناع الأفلام السينمائية والأعمال التليفزيونية كل ما هو متاح لديهم من أدوات وتقنيات متطورة، لإظهار الديناصورات وهي تسير على الأرض في أعمالهم الفنية.
وقد حول هؤلاء تلك الوحوش المنقرضة إلى أيقونات حية في الثقافة المعاصرة، وشكلوا طريقة تفكيرنا بشأن كل الملامح المتعلقة بمظهر وسلوك هذه الكائنات. لكن المشكلة تكمن في أن كثيرا مما علموه لنا لم يكن صحيحا.
فبداية من فيلم “غيرتاي” الكرتوني الذي يجسد ديناصور (الأباتوسورس) في سلسلة أنتجت في العقد الثاني من القرن الماضي، إلى أفلام اليوم التي تعمل بتقنية البعد الثالث، وتستخدم تصميمات معدة ببرامج الكمبيوتر، يفترض الجمهور أن تلك الكائنات التي تسير بتثاقل هي ما كانت عليه أشكال الديناصورات بالفعل.
وفي بعض الأحيان تذهب تصورات الجمهور إلى ما هو أبعد من ذلك. ففي عام 1922، وخلال رحلة لإلقاء محاضرات في الولايات المتحدة، تلقى الكاتب البريطاني السير آرثر كونان دويل دعوة من صديقه الساحر هاري هوديني لحضور لقاء يضم رفاقه من كبار السحرة. قرر كونان دويل أن يقدم لهم فقرته الخاصة؛ فعرض عليهم فيلما قصيرا لديناصورات ما قبل التاريح لم يكن مصحوبا بأي تعليق.
وفي عددها الصادر في 3 يونيو/ حزيران من ذلك العام، روت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية على صدر صفحتها الأولى كيف نجح كونان دويل في أن “يخدع مجموعة من السحرة المشاهير على مستوى العالم بصور لوحوش ما قبل التاريخ”.
إذ أن العديد منهم ظنوا أن ما عُرض عليهم هو لقطات لديناصورات حقيقية أفلتت من الانقراض. لكن الحقيقة، والتي لم يُكشف عنها النقاب سوى في اليوم التالي لذلك اللقاء، هي أن تلك اللقطات كانت جزءا من فيلم يُعد في ذلك الوقت، والمأخوذ عن قصة (العالم المفقود) لكونان دويل.
وقد صمم فنان المؤثرات الخاصة ويليس أوبرايان تلك اللقطات التي أثارت الجدل، وقد حظي بالشهرة في ما بعد بفضل عمله في فيلم (كينغ كونغ).
لون الديناصورات
لا نزال نعتقد أننا ندرك حقيقة الملامح الخاصة بالديناصورات، وطبيعة أصواتها وحركتها، وذلك فقط لأننا شاهدنا ساعات لا حصر لها لتلك الكائنات في الأفلام والبرامج الوثائقية.
وحتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من القفزات الواسعة التي حققها علم الحفريات، واستخدام تقنيات التصوير الحديثة، ليس لدينا سوى فكرة مبهمة للغاية بشأن جلود ولون تلك الكائنات المنقرضة.
وهناك اعتقاد متزايد بأن عدد الديناصورات التي كان يكسوها الريش أكثر بكثير مما كنا نعتقد، وذلك مقارنة بتلك التي يكسوها الجلد فقط، بما في ذلك الديناصورات من فصيلة (تي ريكس)، وفصيلة (فيلوسرابتور)، التي ظهرت في الفيلم الشهير “جوراسيك بارك”، وهي بالمناسبة أصغر حجما مما ظهرت عليه في ذاك الفيلم، إذ أن حجمها يماثل تقريبا حجم دجاجة سمينة.
ومن الإنصاف أن نقول إن أفكارنا لا تزال في حالة تغير مستمر في ما يخص العديد من التفاصيل الرئيسية المتعلقة بالديناصورات، مثل طريقة حركتها، أو تناولها للطعام.
معضلات الأفلام الوثائقية
تتمتع كل الأفلام التي تظهر وحوشا من هذا القبيل بنوع من الحرية، فعلى سبيل المثال، يُظهر أحدث تصميم للوحش السينمائي الشهير “غودزيلا” جسده بصورة أكبر حجما بكثير مما يمكن أن تتحمل قدماه.
من ناحية أخرى، يبدو أننا نخلط كثيرا بين “ما نعرفه” و”ما نخمنه” في ما يتعلق بالبرامج الوثائقية التي يمكن أن يظن البعض على سبيل الخطأ أنها تجسد الواقع. والمثال الأبرز هنا هو سلسلة أفلام “برفقة الديناصورات” الوثائقية التي أنتجتها بي بي سي، والتي يُضرب بها المثل عادة على أنها الأكثر نجاحا من نوعها.
لكن بغض النظر عن الإبهار الذي تتسم به من الناحية التقنية، ومحتواها الممتع والمسلي، هل يمكن أن تصنف حقا على أنها عمل وثائقي؟
في أغلب الأحيان، يشعر المشاهدون بأن كل ما يرونه ويسمعونه في هذه السلسلة موثق ودقيق، خاصة مع استعانتها بعشرات العلماء، بالإضافة إلى السرد الصوتي المتميز. لكن ذلك الشعور بالمصداقية ليس صحيحا. فلا مفر أمام مثل هذه البرامج من أن تقدم محاكاة لأشكال هذه الكائنات وخصائصها اعتمادا على التخمين والاستنتاج.
ووفقا لما أظهرته الدراسات الأخيرة، فإن العديد من التفاصيل التي أظهرتها تلك السلسلة الوثائقية، ومن بينها الطريقة التي كانت تسير بها الديناصورات، يُعتقد الآن أنها خاطئة.
وربما يُخفي صناع مثل هذه الأعمال أن ما يقدمونه يستند إلى كثير من الاستنتاجات والتصورات. فهم يجمعون بين الحديث عن الحمض النووي للديناصورات، وإظهار الشكل المألوف لهذا الكائن كما بدا في الفيلم الكلاسيكي “مليون سنة قبل الميلاد”، الذي انتجته شركة هامر.
وفي هذا الفيلم المُصنف ضمن أفلام الدرجة الثانية، تابع المشاهدون معارك تدور بين الديناصورات والبشر الأوائل، تحت عنوان “هذا ما كان الأمر عليه”، وذلك بالرغم من أن الطرفين لم يتعايشا مطلقا في نفس الوقت على وجه الأرض، إذ فصل بين انقراض الديناصورات وظهور البشر نحو 60 مليون عام كاملة.
وبالتالي، إذا ما أدركنا أن العديد من الأفلام والبرامج “الوثائقية” المعاصرة التي تتناول الديناصورات لا تظهر ما كان عليه الواقع في أفضل الأحوال، وإنما مجرد اعتقاد لما كان سائدا في الحقبة التي عاشت فيها هذه الكائنات، فذلك سيعني أنه بإمكاننا أن نستمتع بمثل هذه الأعمال على أنها تقدم مزيجا ما بين الحقائق والخيال العلمي المبتكر.