يحدث في سوسة: صراع الثقافة مع الجلافة

يحدث في سوسة: صراع الثقافة مع الجلافة


صراع الثقافة مع الجلافةسوسة “جوهرة الساحل”، وعروس المتوسط، لها مع بحر الحضارات تاريخ طويل، سوسة الفينيقية الرومانية البيزنطية الإسلامية من أحب المدن إلى قلبي وقد عبرتً عن هذا الحب في قصيدة تداولتها المدارس في كتب القراءة:

سكن المجدُ حماها  /  باسمِها وَشَّى طروسَهْ

فتهادت تتباهى    /  درةُ الساحلِ  سوسة …

ولسوسة، كما لكلّ مدن العراقة والرشاقة، أعداء، وشرّ أعداء المدن الأجلاف وشرّ الأجلاف من تلثم بالدين وجعل من التكبير والبسملات والحوقلات والصلعمات والعنعنات أصلا تجاريا.

مرت سوسة بهزات الحقب والعصور وظلت وهاجة متماسكة حتى عند هجمة الأعراب في العصر الوسيط. ولكن فيروس الإخوان بدأ يتطرق إليها منذ السبعينات مع حثالات النزوح بل اخترق بعض بيوتاتها الأصيلة. ثم حلت بنا جميعا نكبة الثورجة. ونالت سوسة نصيبها مما نال العاصمة من إرهاب دموي فاجع وهي لن تنسى الهجوم المسلح الذي تعرضت له منطقتها السياحية يوم 26 جوان 2015 موقعا عشرات القتلى والجرحى ولا عملية الطعن الغادر الذي أودى بحياة ضابط حرس وأدى إلى جرح أحد زملائه، يوم 6 سبتمبر الماضي، ولا ما وقع بين الفاجعتين من محاولات فاشلة. صحيح أن قوات الأمن سددت لعصابات السوء ضربات رادعة ولكن لا ينبغي أن نتغافل عن حقيقة قصرت السلطة في إيلائها ما تستحق من اهتمام هي أن بعض المساجد ما زالت تهيء وتخرج المرشحين لنكاح الحور العين. ولعل أشهر الأئمة الذين يصرحون بأن الثقافة عهر وكفر يصول الآن ويجول في مجلس النواب…

هذا الشباب الذي أضله من يدّعون الهداية تربّى على معاداة الثقافة ممثلةً في أدواتها المختلفة وعلى رأسها الكتاب حتى أن أسوأ الجماعات الظلامية سمّت نفسها “بوكو (أي الكتاب) حرام”. وإحراق المكتبات عملية إجرامية ضاربة في التاريخ وفي كل بقاع الأرض. وتتسبب دائما عند المتضررين في صدمات نفسية مؤثرة وهذا ما حصل للكاتبة المبدعة آمنة الرميلي الأستاذة  بكلية الآداب بسوسة إذ عمد بعض الأوباش إلى انتهاك بيتها بواسطة الخلع فسرقوا بعض الأغراض والمال وكان يمكن اعتبار ذلك سرقة روتينية تتكاثر بالليل وبالنهار إلا أن المعتدين أفصحوا عن انتمائهم الراديكالي بإشعال النار في مكتبتها فتحولت بمصنفاتها ومخطوطاتها ووثائقها إلى رماد. وينبغي التذكير بأن ما يتهدد حياة الكتاب منذ الأزل هو الماء والنار والقوارض والعثة وأدعياء الدين.

وما من حاجة إلى التخمين فيما يتعلق بقضية الحال. فالذي يعرف ممارسات هؤلاء النفايات لا يشك في أن هذا الحريق عمل انتقامي بالنظر إلى المحتوى التنويري الذي تتضمنه أعمال الكاتبة من روايات ودراسات. وبالمناسبة أضم صوتي إلى أصوات الكثيرين من الأساتذة والأدباء نساء ورجالا ممن عبروا عن كامل تضامنهم مع الروائية المتميزة ومع زوجها الأستاذ البشير الوسلاتي. ونرجو ان تتجدد مكتبتهما وأن يثرياها بمزيد من التحدي والإبداع. ولكل ذي مكتبة أقول: صُنْ زادك المعرفي واحفظ ذكاءك في زمن الغباء والوباء.

ورغم التلف والجلف أهنيء سوسة بمناضلاتها الصامدات ضد التوحش، رغم الأخطار المحدقة، وتحية خاصة لآمنة الرميلي وألفة يوسف وهالة الوردي ونايلة السليني وشيراز العتيري وغيرهن وعلى رأي الشاعر:

“خاب من قارع حرفًا ولغير الحرف ثار”

عبد العزيز قاسم



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *