كيف تقوم الولايات المتحدة بتصدير التضخم إلى الدول الأخرى؟

كيف تقوم الولايات المتحدة بتصدير التضخم إلى الدول الأخرى؟



نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)– يركز الاحتياطي الفيدرالي على وقف ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة. لكن بالنسبة للبلدان التي تبعد آلاف الأميال فهي تتمايل من حملها الثقيل لخنق التضخم، حيث تضطر بنوكها المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع وأعلى، حيث يساهم الدولار الجامح بانخفاض قيمة عملاتها.

قال كريس تورنر، رئيس الأسواق العالمية في ING: “نحن نرى بنك الاحتياطي الفيدرالي عدوانيًا كما كان منذ أوائل الثمانينيات، إنهم على استعداد لتحمل ارتفاع معدلات البطالة والركود، وذلك ليس جيدًا للنمو الدولي.”

كان قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في ثلاث اجتماعات متتالية، في حين يشير إلى المزيد من الارتفاعات الكبيرة على الطريق، بمثابة دافع لنظرائه في جميع أنحاء العالم إلى أن يصبحوا أكثر صرامة أيضًا. ففي حال تراجعوا كثيرًا عن الاحتياطي الفيدرالي، يمكن للمستثمرين سحب الأموال من أسواقهم المالية، مما يتسبب في اضطرابات خطيرة.

لحقت البنوك المركزية في سويسرا والمملكة المتحدة والنرويج وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وتايوان ونيجيريا والفلبين بالبنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة خلال الأسبوع الماضي.

كما دفع موقف الاحتياطي الفيدرالي الدولار إلى أعلى مستوياته منذ عقدين مقابل سلة من العملات الرئيسية. في حين أن هذا مفيد للأمريكيين الذين يرغبون في التسوق في الخارج، إلا أنه خبر سيئ للغاية بالنسبة للبلدان الأخرى، حيث تنخفض قيمة اليوان والين والروبية واليورو والجنيه الإسترليني، مما يجعل استيراد العناصر الأساسية مثل الطعام والوقود أكثر تكلفة. هذه الديناميكية -التي يقوم فيها الاحتياطي الفيدرالي تعمل بشكل أساسي على تصدير التضخم- وتضيف الضغط على البنوك المركزية المحلية.

قال جيمس أشلي، رئيس إستراتيجية السوق الدولية في Goldman Sachs Asset Management: “الدولار لا يقوى بمعزل عن الآخرين، يجب أن يقوى ضد شيء ما.”

أصبحت العواقب الوخيمة للارتفاع السريع في قيمة الدولار أكثر وضوحًا في الأيام الأخيرة. تدخلت اليابان يوم الخميس الماضي لأول مرة منذ 24 عامًا لدعم الين، الذي انخفض بنسبة 26٪ مقابل الدولار منذ بداية العام وحتى تاريخه.

تراقب الصين أسواق العملات بعد أن انخفض تداول اليوان إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ الأزمة المالية العالمية، في حين حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد يوم الاثنين من أن الانخفاض الحاد في قيمة اليورو “يضاف إلى تراكم الضغوط التضخمية.”

تُظهر المملكة المتحدة مدى السرعة التي يمكن أن يخرج بها الوضع عن نطاق السيطرة. انخفض الجنيه البريطاني إلى مستوى قياسي مقابل الدولار يوم الاثنين بعد أن أثارت التجربة غير التقليدية المتمثلة في تنفيذ تخفيضات ضريبية كبيرة مع زيادة الاقتراض حالة من القلق.

أجبرت الفوضى التي تلت ذلك بنك إنجلترا على الإعلان عن برنامج طارئ لشراء السندات لمحاولة تحقيق الاستقرار في الأسواق، وأدت إلى تحذير من صندوق النقد الدولي، الذي قال إن على حكومة المملكة المتحدة إعادة النظر في مقترحاتها.

التهديد للأسواق الناشئة

حذر البنك الدولي مؤخرًا من أن مخاطر حدوث ركود عالمي في العام 2023 قد ارتفعت مع قيام البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة في نفس الوقت استجابةً للتضخم. وقال أيضًا إن هذا الاتجاه قد يؤدي إلى سلسلة من الأزمات المالية بين الاقتصادات النامية – التي لا يزال الكثير منها يعاني من الوباء- “من شأنها أن تلحق بهم ضررًا دائمًا”.

أكبر التداعيات التي قد تكون محسوسة في البلدان التي أصدرت ديونًا مقومة بالدولار. فإن سداد هذه الالتزامات يصبح أكثر تكلفة مع انخفاض قيمة العملات المحلية، مما يجبر الحكومات على تقليص الإنفاق في مجالات أخرى تمامًا كما يضر التضخم بمستويات المعيشة.

كما أن تراجع احتياطيات العملة يعد مدعاة للقلق. ساهم نقص الدولارات في سريلانكا في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد وأجبرت رئيسها على ترك منصبه في وقت سابق من هذا العام.

تظهر المخاطر من خلال ارتفاع أسعار الفائدة في العديد من هذه البلدان. على سبيل المثال، أبقت البرازيل أسعار الفائدة ثابتة هذا الشهر، ولكن بعد 12 زيادة متتالية أصبح بعدها سعر الفائدة القياسي عند 13.75٪.

رفع البنك المركزي النيجيري أسعار الفائدة إلى 15.5٪ يوم الثلاثاء، وهي نسبة أعلى بكثير مما توقعه الاقتصاديون. في بيان له، أشار البنك المركزي إلى أن “التشديد المستمر للسياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يضع أيضًا ضغطًا تصاعديًا على العملات المحلية في جميع أنحاء العالم، مع تمرير الأسعار المحلية.”

هل يمكن وقف الألم؟

في أوائل الثمانينيات، المرة الأخيرة التي شهد فيها الدولار وضعًا مماثلاً، أعلن صناع السياسة في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة عن تدخل منسق في أسواق العملات عرف باسم اتفاق بلازا.

أثار الارتفاع الأخير للدولار، والألم الذي تبعه للدول الأخرى، أحاديث مفادها أن الوقت قد حان لاتفاق آخر. لكن البيت الأبيض ألقى بالماء البارد على هذه الفكرة، مما يجعلها تبدو غير مرجحة في الوقت الحالي.

في غضون ذلك، من المتوقع أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي مساره. وهذا يعني أن الدولار قد يرتفع أكثر، ولن تتمكن البنوك المركزية الأخرى من الاسترخاء.

وقال آشلي من Goldman Sachs Asset Management إن القوة الإضافية للدولار ومعدلات الفائدة الأمريكية المرتفعة “أمر يجب أن نتوقعه تمامًا، ونتائج ذلك عميقة جدًا حقًا.”



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *